في حال عدم قيام السُلطات السياسيّة والعسكريّة المَعنيّة في ​لبنان​، بفرض مَنع التجوَال التام والكامل بالقُوّة، فإنّنا سنوَاجه قريبًا كارثتين مَوصُوفتين: الأولى على المُستوى الطبّي والإستشفائي، والثانية على المُستوى الحياتي والمَعيشي. وهذه هي الأسباب:

عندما نتحدّث عن مئة إصابة مُثبتة ب​كورونا​، أو عن مئتين وخمسين إصابة مُثبتة، أو عن أيّ رقم آخر، فهذا لا يعني أنّ هذا الرقم يعكس إجمالي الحالات المُنتشرة في ربوعنا، لأنّه-وبحسب ما تأكّد علميًا في الخارج، في مُقابل كل إصابة مُثبتة، تُوجد العديد من الإصابات غير المَعروفة بعد (بسبب عدم ظُهور العوارض عليها، خلال فترة حضانة الوباء التي يُمكن أن تمتدّ لفترة تصل إلى أسبوعين ما لم يكن أكثر!)، وكلّما إختلط الشخص المُصاب بأشخاص كُثر، قبل أن يُدرك أنّه مُصاب بوباء كورونا، كلّما كان خطر نقله الفيروس لأشخاص آخرين كبيرًا، وكلّما كان الرقم الحقيقي المَخفي كبيرًا أيضًا. وبالتالي، إنّ عددَ المُصابين في لبنان لم يعد صغيرًا على الإطلاق، وهو مُرشّح للإزدياد سريعًا وبشكل دراماتيكي خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، بشكل سيَضغَط بقُوّة على القِطاع الطبّي في مرحلة أولى، وبشكل يُنذر بتخطّي الإصابات المُرتقبة قُدرة المُستشفيات اللبنانيّة على التعامل معها–كما حصل في ​إيطاليا​ مثلاً، وذلك في حال عدم إبطاء سُرعة إنتشار الوباء.

وبالتالي، لم يعد جائزًا الإكتفاء بالدعوات إلى ضرورة تقيّد المُواطنين بالبقاء في منازلهم، ولا الإكتفاء ببعض الإنذارات وببعض الإجراءات العقابيّة الطفيفة بحقّ المُخالفين، لأنّه وفي مُقابل إلتزام العديد من المُواطنين، بالإجراءات المُتخذة، فإنّ تهوّر وجهل وعدم مسؤوليّة وقلّة أخلاقالعديد من الأشخاص الآخرين،وقلّة درايتهم لحجم المخاطر المُحدقة، تسبّب بخروقات واسعة لقرار البقاء في المنازل، وأسفر حُكمًا عن مزيد من الإنتشار لوباء كورونا الذي يتسلّل بين المُواطنين بطريقة خبيثة وغير مرئيّة ولا مَحسوسة. وبالتالي، يجب المُسارعة اليوم قبل الغد-وقبل فوات الآوان، إلى فرض الحظر الكامل للتجوال بالقُوّة، وإلى تنظيم حركة عدد مَحدود من المُواطنين على الطرقات، من بين الذين يَعمَلون في وظائف حيويّة وضروريّة لصُمود المُواطنين في منازلهم، أي لتأمين الطبابة والتغطية الإعلاميّة، ولتأمين المآكل والمشرب والأدوية وأدوات التنظيف والتعقيم، إلخ. وبعض المواد الأوّليّة الضروريّة الأخرى مثل الغاز والبنزين والمازوت، إلخ.

وإضافة إلى الخطر الكبير المُتمثّل بضرورة ضبط سرعة إنتشار كورونا في ربوعنا، حتى لا نصل إلى مرحلة مُرعبة يعجز فيها القطاع الطبّي عن توفير العلاج والإهتمام لكلّ المُصابين، بحيث يموت القسم الكبير منهم أمام أعيننا، من دون أن نكون قادرين على التصرّف، يُوجد خطر كبير لا يقلّ خُطورة، في حال عدم إلتزام البقاء في المنازل. وهو على المُستوى الحياتي والمَعيشي.

فإذا كان صحيحًا أنّ الكثير من العاملين والمُوظّفين فقدوا أعمالهم، وخسروا باب رزقهم-أكانوا من العُمّال اليوميّين أو من المُوظّفين الذين جرى إقفال مُؤسّساتهم ومعاملهم ومتاجرهم ومراكز عملهم، فإنّ الأصحّ أنّ عدم السيطرة على الوباء، يَعني حُكمًا الإستمرار في تمديد فترة البقاء في المنازل، مرّة تلو الأخرى! وبالتالي، المُعادلة بسيطة، إذا إلتزم اللبنانيّون بالبقاء في المنازل جديَّا وكليَّا، ونجح الجسم الطبّي في السيطرة على إنتشار الوباء، يُمكننا أن نأمل بعودة الحياة إلى طبيعتها في فترة زمنيّة مَعقولة، أمّا في حال بقيت الخُروقات وإستمرّ تصاعد أعداد المُصابين، فهذا يعني أنّ توقّف الدورة الإقتصاديّة سيبقى قائمًا وسيتمدّد من تاريخ إلى آخر! من هنا، ولأنّ قُدرة المُواطنين على الصُمود-من غير فئة المُوظّفين الرسميّين في السلكين المَدني والعسكري، ومن غير فئة الذين لا تزال أعمالهم قائمة، بشكل مُباشر أو عبر الإنترنت، مَحدودة، يجب التكاتف لجعل فترة توقّف الأعمال، وبالتالي غياب الرواتب و​الأجور​، قصيرة قدر المُستطاع. وعلى من يصرخ أنّه إن لم يمارس عمله لا يُمكنه إطعام أطفاله، أن يعرف أنّه إن لم نتمكّن من تخطّي الفترة الصعبة خلال هذين الأسبوعين المُقبلين أو الثلاثة أسابيع المُقبلة، لن يتمكّن من العمل لا اليوم ولا غدًا ولا بعد شهر، وربما لا حتى بعد سنة!.

إذا المَطلوب فرض البقاء في المنازل بالقُوّة، مع إستثناءات مَحدودة ومَضبُوطة وفق لوائح ومواعيد دقيقة، للتغلب على الوباء وحصره خلال أقصر فترة مُمكنة، وذلك للإبقاء على قُدرة المُستشفيات والجسم الطبّي على التعامل مع الإصابات بكورونا، ولتقصير الفترة الزمنيّة التي سيخسر فيها الكثير من اللبنانيّين رواتبهم ودخلهم. وبما أنّ قُدرات ​الدولة​ الماليّة هي في أسوأ أيّامها حاليًا، ولا يُمكن بالتالي توقّع مُساعدات ماليّة للمُواطنين، فإنهّ يجب على الأقلّ إصدار قرارات رسميّة تُؤجّل مَواعيد دفع وسِداد مُختلف أنواع الفواتير والسَندات والإستحقاقات، لمن هو غير قادر على الدفع. والأهمّ يجب على كل بلديّة التعامل عن قُرب مع نطاقها البلدي، لمدّ يد المُساعدة للعائلات الأكثر حاجة، بالتنسيق مع بعض الأغنياء والمُقتدرين في كلّ منطقة، لأنّ صرخات "لم يعد لدينا المال" بدأت تعلو في أكثر من مكان، وهي ستتوسّع وتنتشر أكثر فأكثر مع مُرور الوقت، في ظلّ عجز مُتزايد من قبل الكثيرين عن شراء الحدّ الأدنى من ضروريّات البقاء أحياء!.

باختصار، أوقفوا إنتشار كورونا في أسرع وقت مُمكن، عبر فرض منع التجوال بالقُوّة الحازمة، وإلا سينتشر الوباء في كل مكان ومعه حالات الوفاة، وستنتشر معه أيضًا حالات العَوز والجُوع... ومن ثم سنصِل-لا سمح الله، إلى حال الفوضى الشاملة والقاتلة!.