في ظل الإنتشار السريع و الفتاك ل​فيروس كورونا​ على مساحة ​العالم​ و ​العجز​ الكوني عن وقف نسب الوفيات أو التصدي له بلقاحات أو علاجات،تتجه الأنظار الى تأثيرات هذا الفيروس على النظام العالمي وأدواته وسياساته وإقتصادياته، وثمة من يسأل هل باتت القرية الكونية في طور الدخول بمرحلة الإنهيار؟وماذا بقي منها؟.

من المتعارف عليه أن المفهوم العام للقرية أنها تتكون من مجموعة بيوت، يقترب بعضها من بعض، وتعود إلى أفراد قبيلة واحدة، أو عائلة واحدة، أو عدة عائلات.

ويمتاز أهل القرية عادة ب​الطيبة​، وتسود بينهم علاقات الألفة والتسامح.

الناس في القرية الكل يعرف الكل، ولا يستخدمون من الأدوات الحديثة غير ما يتلاءم وحياتهم المستقرة.

هذا في المفهوم العام قديماً،أما في العصر الحديث فظهر مفهوم جديد للقرية الصغيرة هو "القرية الكونيّة" وأول من تنبأ به العالم الكندي مارشال ماكلوهان (1980-1911). يقوم هذا المفهوم على أن العالم أصبح مثل قرية صغيرة بفضل التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصالات.

هذا المفهوم الجديد، الذي أحكم القبضة على كل ​الكرة الأرضية​ بجميع مفاصلها، ولد بفعل التطورات التي قربت المسافات، وقلصت الزمن،و مكّنت ​الإنسان​ أن يتنقل بسهولة وسرعة بين عواصم العالم، وأن يتعرف على ما يجري في أي بقعة من الأرض باستخدام الهواتف المحمولة، وشبكات الاتصال المختلفة، وكأن الجميع في قرية واحدة.

واليوم دخل على الخط عنصر من خارج السياق المرسوم إثر الإنتشار الواسع لفيروس كورونا،ففرض مفهوماً متجدداً للقرية الكونية،يختلف عن نظرية ماكلوهان التي شوهتها الرأسمالية بعد أن استخدمتها لتسهيل عملية الهيمنة على العالم، خاصة من الناحية الاقتصادية والمعرفية.

اليوم نعيش في الشكل في قرية كونية تتواصل مع بعضها من دون عوائق جغرافية للتضامن و متابعة ​أخبار​ الفيروس القاتل و هي تترقب علاجاً مفقوداً له حتى ​الساعة​ و لكنها تمتاز أنها مضموناً تشكل نسخة طبق الأصل من القرية القديمة الأصلية بإنسانية أهلها و قربهم من بعضهم البعض و تضامنهم لحياة أفضل (مع عدم إهمال أن البقاء سيكون للأقوى إجتماعياً ومعرفياً).

هي قرية متجددة ستعيد رسم خارطة العالم و التحالفات و ستهندس السياسات الإقتصادية لما يسمى بالقوى العظمى والشركات الضخمة التي تحتكرها الطبقة الرأسمالية و أسواق النفط و ​المال​ و كارتيلات ​السلاح​ بعد أن وقفت عاجزة أمام فيروس يقتل خبط عشواء بلا هوادة.

تلك القوى التي كانت تمتلئ بالرغبة في الهيمنة على الطبقات المتوسطة والفقيرة وزيادة عدد الفقراء والمحتاجين والمهجرين من أوطانهم و في أوطانهم؛ سيجرها كورونا إلى الإنهيار و ستلتهمها،غير مأسوف عليها، الشعوب المريضة و الجائعة،العاطلة عن العمل و الباحثة عن شفاء مفقود.

صحيح أنه قد يتم صنع ترياق لفيروس كورونا و لو بعد حين،ولكن ثبت بالوجه الفيروسي أن كائناً مجهرياً كشف "النظام الكوني الكبير"...أهلاً بكم في رحاب العالم الجديد...شدوا أحزمتكم فهو يوشك أن ينطلق.