تعلو بين الحين والآخر اصوات من هنا واخرى من هناك، تطالب بإعلان حال الطوارىء في البلاد لمواجهة وباء ​كورونا​ الذي لا يزال يواصل غزوه لبلدان ​العالم​ اجمع، و​لبنان​ بطبيعة الحال. وفي حين تبدو الصورة غامضة بالنسبة الى اللبنانيين حول الظروف الواجبة لاعلان هذه الحالة وشروطها، لا يجب ان يكون هذا الامر غريباً عن المسؤولين الرسميين ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية. وفي بلد مثل لبنان، لا يمكن ان تمرّ مثل هذه الدعوات مرور الكرام، لانها ولو كانت بالنسبة الى الشريحة الشعبية سبيلاً بريئاً لمكافحة كورونا، الا انها بالنسبة الى الآخرين، مسألة قد تؤدّي الى تصفية حسابات سياسية في ظرف مأساوي.

وقبل الولوج في بعض التفاصيل، لا بد من الاشارة الى ان دول العالم لم تعلن عن حال طوارىء لمواجهة هذا الوباء، رغم فداحة الخطر على مواطنيها وسيطرة الفيروس على نسبة واسعة من السكان. ولان لبنان لا يشبه غيره من دول العالم، قد يرى البعض ان هذا التشبيه ليس في مكانه، وهو محق، ولكن علينا عدم الاكتفاء بقسم واحد من المشهد، بل عرضه كاملاً. دستورياً، يجب موافقة ثلثي اعضاء ​مجلس الوزراء​ على اعلان حال الطوارىء (المادة 65 البند 5: أما المواضيع الاساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء ​الحكومة​ المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يلي:تعديل ​الدستور​، اعلان حالالطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة...)وهي الخطوة الاسهل نسبياً في هذه المسيرة، خصوصاً وان المجلس الحالي خالٍ من قياديي ومسؤولي التيارات والاحزاب السياسية، ولو حضروا بشكل غير مباشر، وهو ما ظهر بوضوح عبر اعلان حال التعبئة العامة. ولكن الدستور ينتهي عند هذا الحد، وهنا تُفتح ابواب الاجتهادات على مصراعيها حول العديد من الامور، واولها: هل يجب موافقة ​مجلس النواب​ على القرار ام يكتفي بالتبلّغ به من قبل الحكومة؟ واذا تم حل هذه المشكلة، هل يقبل الجميع ان تكون ​القيادة​ العسكرية العليا غير مناطة فقط بقائد الجيش واركان القيادة، بل تشمل ايضاً ​رئيس الجمهورية​ لانه القائد الاعلى للقوات المسلحة في لبنان؟ لن تكون المسألة حتماً بهذه السهولة، اذ من المتوقع ان يواجه هذا الامر معارضة من قبل كل من يخاصم الرئيس سياسياً، وسنقع في مشكلة تفسير ما اراده الدستور من ظروف حال الطوارىء، والاهم ان الامور ستتجه نحو منحى آخر قد يكون ايضاً في تفسير الظروف التي تقضي اعلان الطوارىء...

وحتى اذا تخطينا هذه الحالة بطريقة ما، فسينقلب الناس ضدّ الجيش الذي سيتعرّض للانتقاد في كل خطوة، لانه عندها سيتعاطى مع شؤون الناس الاجتماعية والاقتصادية والمالية والحياتية... هذه امور قد لا تخطر في بال الشريحة الشعبيّة التي ترى فقط في حال الطوارىء فرض ​حظر التجول​، وابقاء الناس في منازلهم بالقوة. ويرى الكثيرون ان هناك الكثير من الاهداف الخفيّة الموضوعة خلف هذه المطالبة بهذا القرار، ولكن الهدف الاول سيكون ​الجيش اللبناني​ الذي سيتحول من نقطة اجماع للبنانيين الى نقطة خلاف في ما بينهم وعندها ستحل الكارثة الحقيقية على لبنان، وستعمد الاحزاب والتيارات السياسية الى التذرّع بالحريّة و​حقوق الانسان​ للتحامل على الجيش وعناصره، وسيكون عندها تعاطي الدول العربيّة والغربيّة اكثر صرامة وتشدداً، وقد تتهيأ الارضيّة بشكل تام لتدخلها وتنفيذ ما تشاء في هذا البلد دون قيد او شرط.

ليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل ما يقوله السياسيون ورؤساء الاحزاب والتيارات هو الحقيقة والصواب، فلنعط كل وقت حقه، ولنتعاط مع كل الامور بحكمة وعقلانية.