صحيح أنّ العالم يبحث عن الحدّ من تداعيات فايروس كورونا، وتتركّز الإهتمامات على تجنيب البشر المزيد من الخسائر، لكن هناك محاولات لعرض مبادرات دبلوماسية تسووية، جعلت الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في العالم. لكن هل يمكن تحقيق تلك الخطوة؟. كل المؤشرات توحي بأن الضغط يحصل بإتجاهات عدة، لا سيّما نحو واشنطن للإنفتاح على حلّ دبلوماسي تجاه إيران تحديداَ، تحت عنوان إنساني.

طهران التي تواجه أزمتي الفايروس والإقتصاد معاً، تتواصل مع الوسيط السويسري، لتفصيل مشاريع تسويات، إنطلاقاً من إطلاق سجناء أجانب لديها. هو الوقت الأنسب لتسويق تسويات كانت رفضتها طهران سابقاً. يستند الساعون الى التسوية بين الأميركيين والإيرانيين لطلب طهران من صندوق النقد الدولي لتمويل مالي، ومعدات طبية ولوجستية لزوم أزمة كورونا. واذا كانت واشنطن تعترض الطريق على المساعدات المالية الدولية لإيران بإستخدام نفوذها ضد القرض المطلوب، فإن تفاقم الأزمات الإنسانية سيتفوق على رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإستكمال حصار الإيرانيين.

من هنا تمّ طرح تبادل النوايا الانسانية الحسنة بين الأميركيين والإيرانيين: إفراج طهران عن سجناء اجانب لديها تطالب بهم واشنطن، بعد انجاز إيراني-فرنسي حصل على هذا الصعيد، مقابل تسهيل ادارة ترامب للمساعدات الطبّية التي تحتاجها الجمهورية الإسلامية. لذا، يتوقع ان يحصل تفاوض غير مباشر بين طهران وواشنطن عبر سويسرا لتوسيع مساحة المفاوضات والنتائج الإنسانية. لكن ما يتم طرحه في الكواليس هو التفاوض السياسي حول الملف النووي، على قاعدة "تجميد الإيرانيين لخطواتهم العلميّة، وإظهار النوايا الحسنة في ملفات الشرق الأوسط". ما تريده إدارة ترامب الآن: وقف ​ايران​ خطواتها العسكرية ضد القوات الأميركية في العراق، من خلال ضبط حلفاء طهران الذين باتوا يُزعجون واشنطن. لأن ادارة ترامب باتت تخشى من تأثير أي انتكاسة أميركية في الخارج على نتائج الانتخابات المقبلة، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة التداعيات السلبيّة التي يخلّفها فايروس كورونا في مزاج الأميركيين، ونسف الإقتصاد الذي يعتمد عليه الرئيس الأميركي اساساً عنواناً لحملته.

من هنا يعتقد الإيرانيون ان ترامب سيوعز بإتمام مفاوضات سياسية معهم، مستغلاً العنوان الانساني كمقدمة، لفرض إستقرار مرحلي في علاقة بلاده بدول عدّة، ومن بينها إيران. بالطبع فإن طهران ايضاً تحتاج نفسا إقتصاديا لتأخذه يريح شعبها من العقوبات التي تنهال عليه. وهي تستطيع ان تبرز العنوان الانساني كمقدمة للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الأميركيين.

هل يعني ان كورونا يفرض الحلول الدبلوماسية في أشد صراع دولي حالي؟ كل شيء وارد حتى الآن، فلا ايران جزمت بإستعدادها للدخول في لعبة مفاوضات تريح ترامب الآن، ولا الرئيس الأميركي قال إنه يعطي المفاوضات فرصة تساعد الإيرانيين على الراحة المعيشية ايضاً. لكن الإيرانيين والأميركيين يحتاجون للخطوة الدبلوماسية. لم يعد بإمكان طهران ان تتفرج على عقوبات أميركيّة بحقها، وهي تواجه الفايروس بما تيّسر لها من امكانات طبّية وتقنيّة محليّة، وتعاني اساسا من مشاكل إقتصاديّة. ولن يستطيع ترامب ايضا ان يتجاهل إنسانياً الملف الإيراني ولا تداعياته، ولا عدم الاستقرار الذي سيعيشه النفوذ الأميركي في العراق تحديداً، في زمن انتخابات يريد فيه ان يعود الى البيت الأبيض قوياً. كان ترامب يراهن على خطواته الداخلية الاقتصاديّة لجذب الأصوات الأميركية إليه، قبل ان يأتي فايروس كورونا ويشرّع الولايات على أسئلة الضمان الصحي، والوقاية، والحماية، والأمان، والقدرات الطبية، والجدية السياسية. كلّها ستلزم البيت الأبيض على التواضع والتنازل.

ماذا عن الإسرائيليين؟ لن تعارض تل أبيب اي خطوة تقدم عليها ادارة ترامب الآن، لكنها تحتاج الى قطف ثمار اي تسوية تحصل على الخط الأميركي-الإيراني. يكفي ان تجدد واشنطن الضمانة القائمة أساسا لحفظ امن واستقرار تل أبيب. لا بد هنا من الاشارة الى ما كتبته احدى الباحثات الإسرائيليات سيما شاين عن وقائع وصفتها "بوادر حسن نية إيرانية"، مطالبة الأميركيين ببادرة حسن نية حقيقية حيال طهران، "لأنه من الصعب رؤية تجدد المفاوضات الأميركية-الإيرانية من دون حسن نوايا من قبل واشنطن". وأقرت فعلاً بأن ترامب لا يحتمل "استمرار المس بالجنود والمدنيين الاميركيين"، لا سيما ان كل انجازاته كانت إقتصاديّة حتى لحظة تفشّي فايروس كورونا.