سمح ​حظر التجول​ الذاتي، الذي فرضه ​مجلس الوزراء​ بعد تفشّي ​فيروس كورونا​ المستجدّ، لبعض الأحزاب والتيارات السّياسية لالتقاط أنفاسها، لا سيما أنها شعرت بالخطر منذ بدء ​الحراك الشعبي​، في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، لا بل استغلال هذا الخطر لإعادة تعويم نفسها، بعد أن باتت إجراءات ​الوقاية​ جزءاً من لعبة التنافس فيما بينها، والتأكيد على معادلة حاجة المواطنين إليها في كل شيء.

هذا الواقع، يتأكّد يوماً بعد آخر، خصوصاً في القرى والبلدات التي تقع بعيداً عن المدن الكبرى، حيث تظهر الأحزاب والتيارات السياسية التقليديّة كجهات تعمل على تأمين الحماية للمواطنين، سواء من خلال العمل على تعقيم الشوارع أو عبر تأمين بعض المساعدات الغذائيّة، في ظلّ تأخر السلطات الرسميّة عن القيام بواجباتها على هذا الصعيد، مع العلم أن ما تمّ الاتفاق عليه، من حيث المبدأ، من غير المتوقع أن يبدأ تنفيذه عملياً قبل نحو أسبوعين.

في هذا الاطار، تستفيد هذه الأحزاب والتيارات، منذ سنوات طويلة، من هذا الواقع، فهي التي عملت على اضعاف ​الدولة​ وأجهزتها إلى الحدود الدنيا، لتبرز هي بوصفها المعبر نحو أيّ شيء يحتاجه المواطن، سواء على المستوى التربوي أو الصحي أو المعيشي أو الوظيفي، وبالتالي لا وجود لأيّ فرد يختار أن يكون خارج هذه المجموعات السّياسية، التي تتّفق في ما بينها على اضعاف المؤسسات الرسمية من جهة، وتأمين مختلف وسائل بقائها من جهة ثانية.

بعد السابع عشر من تشرين الأول الماضي، شعرت هذه القوى بأن هناك شيئاً ما قد تغير في البلاد، لكنها عملت على مقاومته بشتّى الوسائل، وعلى الاستفادة من تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة، من خلال العمل على تقديم الحصص الغذائية على المناصرين والمؤيّدين، لتؤكّد أنها لن ولم تتخلَّ عنهم، محاولة رمي المسؤولية عما حصل على التحركات الشعبيّة، متجاهلة مسؤوليتها الأساسية في هذا المجال، واليوم تسعى إلى القيام بالأمر نفسه عبر بوابة الفيروس الذي يهدد ​العالم​ بأسره.

في هذا السياق، قد يكون من المنطقي السؤال عما اذا كانت هناك دولة أخرى في العالم، باستثناء ​لبنان​، تقدّم الأحزاب والقوى السياسية فيها، في مثل هذه الأزمات، نفسها على أساس أنها المخلّص، أيّ تتحول بين ليلة وضحاها إلى خبيرة في ​الأمراض​ الجرثوميّة وأجهزة مكافحة لها، حتى ولو لم يكن لديها أدنى تجربة في هذا المجال، في المقابل تظهر الجهات الرسمية ضعف إمكاناتها في هذا المجال، نظراً إلى قدراتها المحدودة، لا بل تستفيد من الدور المركزي الذي من المفترض أن تلعبه ​البلديات​ لتعزيز قوّتها، حيث تسيطر على مجالس بشكل منفرد أو على قاعدة تقاسم الحصص.

ما تقدّم، يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي تحول دون وضع كل هذه الإمكانات بتصرف الجهّات الرسميّة، بدل أن يعمل كل فريق على تقديم خدماته بشكل مستقلّ، ما يسمح بتنظيم الأمور بشكل أفضل ويعطي نتائج أفضل، بعيداً عن لعبة الاستثمار السياسي التي يراد لها أن تصرف لاحقاً في صناديق الاقتراع، خصوصاً أن مثل هذا الواقع قد يثير الحساسيّات الحزبيّة، لا سيما إذا ما كانت البلديات هي الجهة المخوّلة، لاحقاً، توزيع المساعدات التي أقرتها ​الحكومة​ على الأسر الأكثر فقراً.

في المحصّلة، لا يمكن لوم مجموعات الحراك الشعبي على محدودية قدراتها على البروز في هذه المرحلة، لكن قد يكون من الضروري السؤال عن كيفية تأمين الأحزاب والتيارات السياسية كل هذه الإمكانات في وقت قصير، وهنا ليس المقصود تلك التي لديها لجانها وهيئاتها الصحيّة منذ زمن بعيد، مع العلم أنها تحتاج إلى قدرات ماليّة ليس من المنطقي توفّرها في ظلّ ​الأزمة​ التي تشهدها البلاد، إلا أنّ الكارثة الكبرى هي في تلك التي تضع شعاراتها الخاصة على المساعدات أو التي تحصرها بالمؤيّدين، أيّ أنها غير معنيّة بباقي المواطنين الذين عليهم أن يدفعوا ثمن عدم تأييدهم لها، لأنّ من تسعى إلى حمايتهم هم أصواتها الانتخابيّة.