اكد ​السيد علي فضل الله​ ضرورة الصبر في هذه المرحلة الصعبة، وأهمية الاقتداء بسيرة النبي أيوب، ففي علاقته بزوجته، لما رآها تتذمر من الحال التي وصل إليها، وتطلب منه أن يدعو الله لرفع هذا البلاء عنه، قال لها: كم لبثنا في الرّخاء؟ قالت: ثمانين عاماً، فقال لها: وكم لبثت في البلاء؟ فقالت: سبع سنين. فقال: إني أستحي من ربي أن أجعله يرفع البلاء عني، وما قضيت فيه مدة رضائي. وقال إننا احوج ما نكون للأخذ بهذا المنطق، حتى لا ننسى رحمة الله بنا عندما تواجهنا المصائب والابتلاءات، وحتّى نحسن الثقة بالله ونقوى على مواجهة التحديات.

وتوقف السيد فضل الله عند المواجهة المستمرّة مع ​فيروس كورونا​، وإمكانيّة السيطرة عليه إذا تمّ توخي الدقّة في الالتزام بالنصائح الطبيّة واتباع سبل ​الوقاية​. وأضاف: لانزال نراهن في هذا الأمر على وعي المواطنين لمخاطر عدم التقيّد بهذه التعليمات، وعلى إيمانهم الذي يدعوهم إلى الحفاظ على صحتهم، وعدم التهاون بحياتهم والمس بحياة الآخرين، وعلى قيام ​الدولة​ بكلّ أجهزتها، ومعها ​البلديات​، باتباع الإجراءات الرادعة والكفيلة بتطبيق التعليمات المعروفة، والّتي نريدها أن تكون موحَّدة في كل المناطق والأحياء، ولا يستثنى منها مدينة أو حيّ، حيث بات واضحاً أنّ أيّ تهاون في منطقة، ينعكس على المناطق الأخرى.

ونوّه سماحته بالإجراءات الحكوميّة المتخذة على هذا المستوى، داعياً إلى توفير كل مقوّمات التصدي لهذا الوباء المستشري، من خلال العمل على توفير مختلف وسائل العلاج المناسب، والإسراع في تجهيز ​المستشفيات​ الحكومية بكلّ اللوازم والمعدات الطبية والصحية، ومساعدة المستشفيات الخاصّة حتى تقوم بدورها المطلوب، والذي قد تدعو إليه الاحتمالات الأسوأ، طبعاً بما لا يتنافى مع دورها في معالجة ​الأمراض​ الأخرى.

وتوجّه فضل الله بالتقدير للأحزاب والتيارات السياسية والمؤسسات الصحية والاجتماعية التي تقف إلى جانب الدولة في مواجهة هذا الوباء، والتي وضعت كل إمكاناتها وطاقاتها في حالة طوارئ صحية لإنقاذ المواطنين وحمايتهم منه، متحمّلة كل المسؤولية أمام الله وشعبها، كما نوّه بالمبادرات التي تقوم بها هيئات صناعية وعلمية لإنتاج تقنيات طبية وصحية لمكافحة هذا الفيروس، شاكراً كل الكادر الطبي والصحي في الدولة والمجتمع الذي يقف في الخطّ الأمامي في مواجهة الوباء، بالرغم من كل المخاطر التي يتعرّض لها.

وتناول سماحته التداعيات الاجتماعية والمعيشية لهذا الوباء، والتي تتفاقم كل يوم مع توقّف الكثير من المؤسّسات والمحلات والقطاعات عن العمل التي كانت تؤمّن سبل العيش للناس، في ظل عدم قدرة العديد من المؤسّسات الخاصّة والشركات على دفع الرواتب الكاملة لموظفيها، نظرًا إلى توقفها عن الإنتاج، داعياً الدولة إلى أن لا تهمل الموظفين ​المياومين​ في قطاعات الدولة كما فعلت، وأن تسرع في القيام بمسؤولياتها، والوفاء بوعودها لمواطنيها، بمساعدة العائلات الفقيرة بالقدر الذي يحفظ كرامتها، لا بما تمّ إقراره من مبالغ زهيدة، علماً أنّ ما تمّ توفيره للخزينة من ​البنزين​، يمكن استخدامه في هذا المجال، لتكون ​الحكومة​ بذلك على قدر آمال أغلبية اللّبنانيين.

وحثّ سماحته على التعاون بين الجمعيات والمؤسّسات الخيرية، لتتكامل في عملها لسدّ احتياجات المحتاجين، مقدّراً كلّ التقدير المبادرات التي تقوم بها جهات وجمعيات ومؤسّسات تحملت مسؤوليتها الاجتماعية في هذه الظروف الصعبة، للتخفيف من آلام الناس وأوجاعهم.

وتطرّق سماحته إلى أزمة المغتربين، ممن لم تتوفر لهم الشروط المعيشية والصحية الآمنة للبقاء في الخارج، وممن لم تسعفهم الظروف للمجيء إلى بلدهم قبل إغلاق ​المطار​ والمعابر الحدودية، مطالباً الحكومة بدراسة السبل الكفيلة بإعادتهم إن أمكن، أو تأمين سبل الرعاية ومدّ يد العون لهم حيث هم، من خلال السفارات و​البعثات الدبلوماسية​. وشدّد على ضرورة توفير أواصر الوحدة المجتمعيّة الداخليّة، والخروج من كل الخلافات السياسية والاجتماعية التي ينبغي أن تكون مؤجلة في هذه المرحلة، حتى يتفرغ الجميع لمواجهة ما يتهدّد البلد كله، والذي لا يفّرق بين ​طائفة​ وطائفة ومذهب ومذهب.

ورأى فيما يجري على الصعيد الحكوميّ من خلافات بين مكوّنات هذه الحكومة، في قضية ​التعيينات​ المالية والمصرفية، بعد ما حدث على صعيد ​التشكيلات القضائية​، سعياً من البعض للعودة إلى أسلوب ​المحاصصة​ الذي يشكّل أحد أبرز عناوين ​الفساد​، والذي عاناه ​اللبنانيون​ طويلاً، وأوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيار، وهدد الدولة بالسقوط. ودعا الحكومة بكلّ مكوّناتها إلى أن تفي بما وعدت به من الشفافية واعتماد معايير الكفاءة والأخلاق في التعيينات، بحيث يختار الأكفأ والأقدر في مذهبه وطائفته، للقيام بشؤون الموقع الذي سيستلمه، حتى نقدّم للّبنانيين صورة ناصعة لحكومة أرادت إعادة بناء الدولة وفق منطق الدولة، دولة القانون، لا دولة المحاصصة والمحسوبيات، وبما يعنيه ذلك من توجيه رسالة إيجابيّة إلى ​العالم​، في الالتزام بالخطة الإصلاحية الناجعة التي تعيد إلى البلد مصداقيّته في عيون مواطنيه وأمام المؤسّسات الدوليّة.

وأبدى حرصه على التضامن الحكومي، ولا سيّما في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها الوطن، ولكن، لا ليكون على حساب اللّبنانيين، بل لحسابهم. ودعا العالم إلى الخروج من كلّ التوتّرات والحروب التي تعصف به، ليقف صفّاً واحداً في مواجهة هذا الفيروس، وليتوقّى الفيروسات السياسية العدوانية التي قتلت وتقتل أكثر من الفيروس نفسه.