ساد اعتقاد في الأيام المنصرمة أن أزمة مرض ​الكورونا​ ستعيد تشكيل العلاقات الإجتماعية وستقرب الناس من بعضها البعض على قاعدة المساواة في المعاناة . لكن يبدو أن خلافات ​المجتمع اللبناني​ وانقساماته العميقة عصيّة على معموديات النار والأوبئة . فما أن نستريح من كارثة حتى نعود للتناحر والإختلاف.

المشكلة التي ثارت مؤخرا بعد تغريدة السيدة ​مي خريش​ نائبة رئيس ​التيار الوطني الحر​ والتي نصحت فيها متابعيها بالقراءة لتمضية فترة الحجر المنزلي. وارفقت التغريدة بصورة كتاب للكاتبة التونسية والأستاذة الجامعية هالة الوردي، وهو كتاب أثار الكثير من ردود الفعل وقت اصداره (2016) وحلت الكاتبة ضيفة على العديد من البرامج الحوارية التلفزيونية لمناقشة الكتاب وردود الأفعال عليه.

عنوان الكتاب “Les DerniersJours De Muhammad” الأيام الأخيرة لمحمد. وهو صادر باللغة الفرنسية فقط. ويتمحور موضوعه حول حادثة سقيفة بني ساعدة وما تلاها، واجتماع السقيفة حصل مباشرة عقب وفاة النبي محمد(ص) للبحث في أمر الخلافة.

وتقول الكاتبة المتخصصة بالأدب الفرنسيأنها لم تكن تنوي تأليف كتاب بل حملها على ذلك التعتيم الموجود على حادثة السقيفة رغم ثبوتها في امهات كتب التاريخ. ولدى انتهائها من هذا الكتاب اليتيم، أرفقته بكتاب آخر السنة الفائتة (2019) بعنوان "الخلفاء الملعونون" أو "Les ChalifsMaudis"، وعنوانه الأصلي "الخلفاء ولعنة فاطمة" . وفيه استفاضت في شرح العلاقة المتوترة والخلافية بين اهل بيت الرسول وبين الخلفاء، الأمر الذي أدى الى اشتباه لدى منتقديها الذين سارع بعضهم لاتهامها بالتشيّع، لأنها باختصار تبنّت وجهة نظر الشيعة في سرد التاريخ الإسلامي. وهذا الإتهام باطل بطبيعة الحال لأنّها لا تؤمن بالدين أصلا. وقد أوضحت الدكتورة هالة انها في إعداد بحثها إطّلعت على وجهتي نظر الشيعة والسنة، لكنها عمدت لاستبعاد المصادر الشيعية لإعتبارها منحازة ضد الخلافة الراشدة، واستشهدت بالمصادر السنية لتثبيت الوقائع التاريخية.

الدكتورة الوردي تعترف بأنها لم تأتِ بجديد مطلقا، بل كشفت المسكوت عنه فقط. وأعادت رسم الأحداث لتخرج باستنتاج أن الصراع على الخلافة لم يكن على الشرعية والقداسة بل على السلطة. وجاء كتابها الثاني ليؤكد أن الخلفاء يخطئون ويصيبون وخاضوا حروبا من اجل السلطة لا من أجل الدين. وانطلق بحثها من الموقف الحاد الذي اعلنته السيدة فاطمة الزهراء(ع) من الخليفة الأول ورهطه، عندما استهل حكمه بحرمانها من ميراث النبي.

إن الهجمة التي انطلقت على السيدة مي خريش من ​دار الفتوى​ وتباعا من بعض وجوه تيار "المستقبل" ليست بريئة من التسييس. فالاتهامات التي سيقت ضدّها بالترويج لإهانة الرسول والمقدّسات واثارة الفتنة، ما هي في الواقع الا رأي المدارس السلفيّة والإخوانيّة والأزهريّة الرسميّة بالكتب الشيعيّة عموماً، والتي لطلما صودرت ومنعت من كثير من البلدان الإسلاميّة بنفس هذه التهمة. فهل المطلوب أن تستأذن السيدة خريش دار الفتوى في أيّ كتاب اسلامي تنوي قراءته أو النصح فيه؟ وبالمقابل هل يستوجب العيش المشترك الإلتزام بقراءة الكتب المسيحيّة التي توافق على مضمونها ​البطريركية المارونية​ مثلا؟.

أخيراً لم يعد بالإمكان في عصرنا هذا، الحجر على الأفكار والتفكير، والأولى أن يتم نقاش أّي طرح مخالف للسائد والردّ عليه بالحجّة والمنطق والحوار طالما انه يلتزم ادب البحث والحوار، ولا يجابه بالمنع والتحريم.