كاد السفر أن يكون "حُلم" كلّ شاب ​لبنان​ يفكّر في العيش الرغيد، وجمع المال، او حتى للعيش المحترم، ولكن مع هجوم "كورونا" على امتداد دول العالم، بات ​الاغتراب​ أزمة للبعض، خصوصا من يعيشون في ظل مناطق موبوءة، او اولئك الذين يسكنون دولا لا تتمتع بأنظمة صحّية سليمة.

ليس كل اللبنانيين في الخارج يريدون العودة، وهذا أمر طبيعي وبديهي، ولكن من أراد العودة لأسباب عديدة لا يجوز منعه، بل يجب أن يُعمل على إعادته ضمن شروط وإجراءات صحية ضرورية، وملزمة، وهذا ما ستعمل الحكومة على إقراره في جلسة الثلاثاء المقبل.

يعيش علي في ثاني أكثر منطقة موبوءة في ​إيطاليا​، بريشا في إقليم لومبارديا، ولكنه حتى اليوم لا يفكّر بالعودة الى لبنان لسبب واحد، وهو أن عمله لم يتوقف. يشير علي في حديث لـ"​النشرة​" الى أن عمله بشركة ماليّة استمر بإجراءات جديدة شبيهة بتلك المعتمدة في لبنان، ولكن الحياة في مكان سكنه باتت صعبة، اذ كلّما خرج من منزله عليه أن يطبع استمارة لتعبئتها بالمعلومات اللازمة حول مكان سكنه ومقصده، وعليه إبقاء الورقة معه لاستعمالها على الحواجز، كذلك لم يعد مسموحا الخروج من المنزل إلا لأسباب معيّنة، وحتى الرياضة منفردا خارج المنزل باتت ممنوعة".

يؤكّد علي أن ليس كل اللبنانيين في منطقته وضعهم جيد، فهناك الطلاب الذين كانوا يعتمدون على مصدرين للدخل، أهلهم في لبنان، وقد توقفت عمليات تحويلهم للاموال، وعملهم بدوام جزئي في المطاعم وقد توقّفت أيضا، لذلك فهم من الذين ينتظرون العودة الى لبنان، مشددا على أن اللبنانيين الراغبين بالعودة خائفون من احتمال نقلهم العدوى الى اهلهم، لذلك فهم يصرّون على ضرورة أن يكون هناك إجراءات صحيّة فور وصولهم الى لبنان.

إن كان علي لا يرغب بالعودة لأنّ عمله لم يتوقف، الا أنّ في ​إفريقيا​ يعدّ موسى ​الساعات​ للعودة، ويشير عبر "النشرة" الى أنّ اللبنانيين لم يسافروا الى الخارج ليموتوا، بل ليعيشوا ومساعدة أهاليهم على العيش أيضا، وكما ساعدنا الوطن بأموالنا، على الوطن أن يبادلنا الوفاء، ونحن مستعدون لأيّ نوع من الاجراءات الصحّية في لبنان. ولمن يسأل لماذا لم نستفد من فترة الأيّام الأربعة التي منحتها ​الحكومة اللبنانية​ لمن يريد العودة، يقول: "لم يكن وقتها قد وصل الفايروس الى أفريقيا، وهل كان يتصور أحد أن يغزو العالم"؟.

منذ ساعات بدأت وزارة الخارجيّة اللبنانية بتوزيع استمارات عبر السفارات الى اللبنانيين المغتربين الراغبين بالعودة، وفيها خانة عن المعلومات الشخصيّة، خانة عن معلومات حول الاهل او الوصيّ في لبنان، خانة عن الوضع الصحي، وخانة لمعلومات إضافية حول جدول الأسفار لآخر شهرين، ووجود احتكاك مع شخص مصاب بفايروس كورونا أم لا وذكر إسمه وهويّته. وقد علمت "النشرة" أنّ الأرقام حتى لحظة كتابة هذا المقال لم تكن نهائيّة، لانّ الاستمارة لم تصل الى الجميع بعد، ولكن بكل تأكيد فإنّ أرقام الراغبين بالعودة ستتخطى الـ25 ألف لبناني، أكثريتهم من قارة افريقيا.

إن عودة المغتربين قد تكون ممكنة عبر ​طيران الشرق الأوسط​، ولكن بعض اللبنانيين قد لا يتمكّنون من العودة. اذ علمت "النشرة" أن عددا من المقيمين في ​أميركا اللاتينية​ يناشدون الحكومة اللبنانيّة النظر في أوضاعهم، خصوصاً أولئك الذين ذهبوا في زيارة إلى أهلهم وأقربائهم هناك إلا أن إغلاق المطارات في العالم قطع طريق عودتهم.

فعلى سبيل المثال سافر رب أسرة لبنانية يدعى "ع. ب." إلى جزيرة مارغيريتا الفنزويلية، التي لا يستطيع سوى الطيران الداخلي الوصول إليها، وأغلقت السلطات الفنزويليّة المطارات الداخلية والخارجيّة وشلّت حركة الطيران وحركة السيارات من خلال إقفال ​محطات المحروقات​، وبقي هذا الرجل الذي نزل فندقاً لقضاء أسبوعين، أكثر من شهر، وانتهى المال الذي بين يديه، ولا يمكن لأسرته أن ترسل له نظرا للقيود التي وضعتها المصارف على التحويلات الخارجية.

حال "ب" من حال أكثر من 50 لبنانيا في تلك الجزيرة حصراً، وأكثر من 200 لبناني في ​فنزويلا​ يريدون العودة إلى لبنان، ويطالبون الدولة بالعمل على إعادتهم لعائلاتهم في لبنان، في أسرع وقت لأنّ الوضع الصحّي إجمالا في أميركا اللاتينية صعب للغاية.