من سوء حظ ​حكومة حسان دياب​، أن يأتي انتشار ​فيروس كورونا​ المستجد ليضاعف من التحدّيات التي تواجهها، لا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، في ظلّ قوى سياسية لم تعتد تحمّل المسؤوليّة الوطنيّة، بل على العكس لا تتوقف عن لعبة ​المحاصصة​ حتى أبعد الحدود، الأمر الذي يُفسّر طبيعة السّجالات التي تشهدها البلاد حاليا.

الواقع الراهن، فاقم من السجالات التي ترافق عمل حكومة دياب، بين قوى الأكثرية والمعارضة من جهة، والقوى المشاركة في ​الحكومة​ من جهة ثانية، في حين أن هناك انفجاراً اجتماعياً يلوح في الأفق يتطلّب المسارعة إلى المعالجة بدل الاستمرار في عمليّات البحث والدراسة، مع العلم أن الحكومات والمجالس النّيابية المتعاقبة كان عليها، منذ سنوات، العمل على وضع خطط حول كيفيّة مواجهة هكذا أزمات.

في هذا السياق، يأتي تقييم تجربة رئيس الحكومة من خلفيّات سيّاسية بحتة، المؤيّدون يتحدّثون عن تجربة فريدة من نوعها لم يشهدها ​لبنان​ سابقاً، يريدون من خلالها التصويب على رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، بينما المعارضون يرون ​العجز​ الكامل عن التعامل مع الأزمات، ويسعون إلى التصويب بأي وسيلة، سواء كانت ظالمة أو محقة، على أمل أن يقود ذلك إلى إسقاطها، حتى ولو لم تكن الظروف تسمح بذلك.

من حيث المبدأ، من المبكر الحكم على هذه التجربة بشكل واقعي، لا سيما أن أي قراءة لها من دون النظر إلى الظروف المحيطة بعملها لن تكون منصفة، سواء بالنسبة إلى ​الأزمة​ الماليّة التي لا تتحمّل المسؤوليّة عنها أو بالنسبة إلى ظاهرة كورونا التي تجتاح ​العالم​، لكن من ناحية أخرى لا يمكن انكار أن آليات عملها بطيئة جداً، الأمر الذي يتطلّب المعالجة اليوم قبل الغد، نظراً إلى التداعيات الكارثيّة التي قد تترتب على ذلك.

على هذا الصعيد، من الضروري السؤال، بعيداً عن الإجراءات الصحّية التي سمحت حتى الآن في حصر تفشي كورونا في الداخل اللبناني، عن خطّة الطوارئ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، مع دخول حالة التعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة في إطار المواجهة الأسبوع الثالث، في الوقت الذي ينشغل فيه ​مجلس الوزراء​ في ​التعيينات​ في مراكز نواب حاكم ​مصرف لبنان​ وأعضاء لجنة الرقابة على ​المصارف​ (الخميس)، بالإضافة إلى البحث في آليّة إعادة المغتربين العالقين في الخارج (اليوم).

يفضل رئيس الحكومة الذهاب إلى تشكيل اللجان الوزارية عند البحث في أيّ مسألة مهما كانت أهميّتها، وهو إجراء قد يكون مفيداً في الظروف العاديّة حيث المطلوب الوصول إلى أفضل الخيارات والحلول قبل اتخاذ القرار، لكن اليوم ثمن أيّ تأخير في حسم التوجّّهات لا يقل خطورة عن عدم وجودها، وبالتالي المطلوب السرعة من دون التسرع حتى ولو حصلت بعض الأخطاء، نظراً إلى أن هذه الحكومة هي من يتحمل المسؤولية، ولم يعد من المجدي الحديث عن فشل الحكومات السابقة أو التركة التي تركتها خلفها.

على طاولة مجلس الوزراء اليوم، من الضروري أن يحضر الملفّ الاجتماعي بقوّة، لا سيّما بعد التحرّكات التي شهدتها بعض المناطق من قبل المطالبين بالاهتمام بهم في ظلّ حالة الاقفال التي تشهدها البلاد، وحضوره يجب أن يكون لأخذ قرارات حاسمة لا لتشكيل لجان وزاريّة جديدة، فلا أحد ينتظر من ربّ أسرة لا يجد في منزله ما يسدّ فيه جوع أطفاله الالتزام بالإجراءات التي أعلنها مجلس الوزراء، لا سيّما أن نسبة الموت بالجوع أعلى من تلك التي تسبّبه الإصابة بالفيروس القاتل، من دون تجاهل أنّ سرعة ارتفاع نسبة العائلات التي تصنّف تحت خط ​الفقر​ أقوى من سرعة عمل الحكومة ولجانها الوزاريّة.

قد يظنّ الكثيرون أنّ حكومة دياب لا تملك الكثير من الخيارات على هذا الصعيد، لكن هذا لا يلغي مسؤوليّتها، لا سيّما أنّ بعض الوزراء يفضّلون الاستمرار في الكلام الفارغ و"النقّ"، بدل الانكباب على البحث فيما يمكن القيام به، مع العلم أنّ الواقع الراهن قد يمثّل فرصة حقيقيّة لخفض فاتورة الاستيراد، التي تمثل أساس مشكلة البلاد الماليّة، عبر دعم القطاعات الصناعيّة والزراعيّة، وتشجعيها على العمل في أفضل الظروف الصحيّة بدل دعوتها إلى الإقفال.

في المحصّلة، تأمين مقوّمات صمود المواطنين في الداخل في هذه الحرب أهمّ من البحث في تعيينات من هنا أو هناك، أو في عودة المغتربين من الخارج على أهميّتها وحقّهم في ذلك، ومن الضروري أيضاً حسم موضوع العلاقة بين المصارف والمودعين، بعيداً عن اللجان الوزاريّة التي قد تتحوّل لمقبرة لجميع اللبنانيين لا للمشاريع فقط.