يَختلف الخُبراء الغربيّون بشأن التاريخ المُنتظر للسيطرة على إنتشار وباء ​كورونا​، لكنّهم يتفقون على أنّ تداعياته ​الإقتصاد​يّة والماليّة على العالم ستكون مُدمّرة، وعلى أنّ فترة التعافي من الإرتدادات السلبيّة لهذا الوباء ستطول، وقد تستغرق سنوات عدّة! وقد شاء القدر أن تنفجر هذه الأزمة العالميّة في الوقت الذي كان فيه ​لبنان​ يُواجه أسوأ أزمة إقتصاديّة وماليّة له على المُستوى الداخلي. فما هي المَعلومات بشأن ما تُحضّره الحُكومة الحالية من مشاريع يُفترض أن تكون إنقاذيّة، وما هو مصير أموال المُودعين في ​المصارف​؟.

بحسب تأكيد وزير الإقتصاد ​راوول نعمة​، "إنّ ​الحكومة​ تعمل على الخطة الكاملة الشاملة بشقّيها الإقتصادي والمالي، وهي تنتهي بمُنتصف أيّار"، وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ رئيس الحكومة حسّان دياب سيُطلق بنفسه هذه الخطّة، والتي تعمل أربع لجان وزاريّة مُختلفة على إعدادها وصياغتها، خلال مؤتمر إعلامي يعقده في السراي الحُكومي في حُضور فاعليّات إقتصاديّة وماليّة ونقابيّة، فور الإنتهاء من تحضيرها. يُذكر أنّ هذه الخطّة "الإنقاذيّة" المَوعودة ستُركّز على أربعة ملفّات، هي:

أوّلاً: مُعالجة العجز في الماليّة العامة، لجهة سدّ أبواب الهدر المالي، ومُكافحة الفساد، ومُعالجة مُشكلة التهرّب الضريبي، وخُصوصًا الإنتهاء من مُشكلة قطاع الكهرباء التي أثقلت كاهل الدولة بالديون(1).

ثانيًا: مُعالجة ميزان المَدفوعات، لجهة إعادة التوازن إلى إيرادات الدولة ومدفوعاتها، وسدّ الثغرة التي كانت قائمة في هذا السياق على مدى العُقود الأربعة الماضية(2).

ثالثًا: مُعالجة الوضع الإجتماعي، لجهة تحفيز النموّ الإقتصادي، والحدّ من إنتشار الفقر والبطالة في مُختلف المناطق اللبنانيّة(3).

رابعًا: مُعالجة الوضع المصرفي والنقدي، لجهة حماية أموال المُودعين، وإعادة ضخّ السيولة المَطلوبة في الأسواق، لتحريك العجلة الإقتصاديّة من جديد(4).

في المبدأ ومن الناحية النظريّة، الشعارات المَرفوعة ضُمن الخطة الإقتصاديّة–الماليّة الإنقاذيّة مُشجّعة، لكنّ الخوف كبير من أن يكون تطبيقها غير واقعي ميدانيًا، وأن تكون بُنودها المَخفيّة حتى الساعة غير مُنصفة بحقّ الكثيرين، خاصة وأنّ الكثير من التصاريح والتلميحات الإعلاميّة لا تُشجّع كثيرًا! ويتساءل الكثير من الخُبراء المُتخصّصون عن كيفيّة بناء خطّة إقتصاديّة وماليّة ناجحة، في ظلّ عدم وُضوح حجم الركود الذي سيُسبّبه وباء كورونا في لبنان والعالم أجمع، وكذلك حجم الإنهيار المالي الذي سينتج عن هذا الوباء أيضًا. فكيف يُمكن مثلاً، إحتساب عائدات الضرائب والمَداخيل المُنتظرة، في ظلّ توقّف الكثير من المُؤسّسات عن العمل، وإرتفاع أرقام البطالة بشكل مُخيف، من دون مَعرفة الوقت الذي سيحتاجه لبنان والعالم لإستعادة التوازن.

أكثر من ذلك، لم تخرج الأحاديث حتى الساعة عن مُكافحة الفساد وعن سدّ أبواب الهدر، عن العُموميّات والتصاريح الفولكلوريّة، حيث أنّ الأمور لا تزال كما عهدناها خلال العُقود الأربعة الماضية، من دون تغيير ملموس حتى تاريخه. والحديث عن إصلاح قطاع الكهرباء، الذي يُشكّل الباب الرئيسي للهدر، يمرّ حتمًا برفع قيمة الفواتير التي سيدفعها المُواطن، وهو ما يُمكن إعتباره منطقيًا ومقبولاً في ما لوّ جرى الإستغناء عن المُولّدات الخاصة، لكنّه لن يكون مُناسبًا في حال جرى إرغام المُواطنين على دفع فاتورتين مُرتفعتين في الوقت عينه لسنوات عدة.

وكلّ ما سبق يُمكن أن يكون محلّ نقاش موضوعي بين مؤيّد ومُعارض، لكن ما ليس مُقبولاً على الإطلاق هو المساس بأموال المُودعين في المصارف اللبنانيّة. فاللبناني الذي عمل بجُهد على مدى سنوات وعُقود–إن في لبنان أو خارجه، وأودع "جنى عُمره" في المصارف، ليس مسؤولاً عن أخطاء السُلطات التنفيذيّة المُتعاقبة في لبنان، ولا عن أخطاء مسؤولي جمعيّة المصارف، ولا يجب بالتالي تحميله وزر هذه الأخطاء بأيّ شكل من الأشكال!.

فالسُلطات التنفيذيّة المُتعاقبة أخطأت عندما لم تُعالج الهدر، ولم تُكافح الفساد، وتركت أبواب العجز مَفتوحة على مصراعيها في قطاع الكهرباء، ودخلت شريكًا في الصفقات في قطاعات النفط والنفايات والإتصالات، وغيرها الكثير. وأخطأت السُلطات التنفيذيّة المُتعاقبة أيضًا عندما فشلت في بناء إقتصاد مُنتج، وراهنت فقط على تحويلات المُغتربين، وهي تحويلات تتأثّر صُعودًا وهُبوطًا بالحركتين الإقتصاديّة والماليّة العالميّتين، وبالأوضاع السياسيّة الإقليميّة والدَوليّة، وقد تبخّرت هذه التحويلات فجأة بعد إنهيار الثقة الداخليّة ب​القطاع المصرفي​. والمصارف أخطأت بدورها عندما تصرّفت بأموال المُودعين بقلّة مسؤوليّة وأخلاق، بحيث راحت تُبذّرهاوهي المُودعة كأمانة لديها، من خلال تمويل مصاريف الدولة في مُقابل فوائد خياليّة، بهدف تحقيق الربح السريع، غير آبهة بعجز السُلطات اللبنانيّة المُتراكم عن سداد دُيونها. وأين الحكمة في تشجيع المُودعين على توظيف أموالهم في سندات الخزينة، من خلال سيناريو مُشبوه يقضيبإستدانة الدولار من الخارج بفوائد منخفضة، وتوظيف الأموال بفوائد خياليّة في السندات بالليرة، من دون توفّر أيّ إمكانات جدّية لردّ هذه الديون عند كلّ إستحقاق؟!.

إشارة إلى أنّ وزير المال ​غازي وزني​ أطلق خلال الأسابيع الماضية سلسلة من التصاريح والمواقف الإعلاميّة الخطيرة، أبرزها ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" على لسانه،عن تجميد الودائع لسنوات طويلة، وعن تحويل جزء منها إلى سندات وأسهم، وعن إمكان سدادها بالليرة اللبنانيّة. وعلى الرغم من أنّ وزير المال، كان في كلّ مرّة يتراجع عن تصريحه، أو ينفيه كليًا، فإنّه لم ينجح حتى الساعة على الإطلاق في كسب ثقة المُودعين الخائفين على "جنى عمرهم"، وهو لم ينجح أيضًا حتى تاريخه في وضع حدّ لما تقوم به المصارف من مُخالفات بحقّ المُودعين.

وفي الخُلاصة، يبقى الأمل قائمًا بأن يلمس المُواطنون تغييرًا في النمط الذي كان سائدًا في السابق، إن من قبل الدولة أو المصارف، لأنّ أموال المُودعين في البُنوك... هي مُلك هؤلاء الناس ومُلك عائلاتهم، وهي ليست بالتأكيد مُلكًا لا للدولة ولا للمصارف ولا لوزير المال، ليتصرّفوا بها كما يحلوا لهم، لإنقاذ أنفسهم من الورطات التي غرقوا بها، وأغرقوا ​الشعب اللبناني​ معهم بها!.

(1) عبر البدء بتنفيذ خطّة ملموسة لبناء المصانع، ولإستخدام الغاز بدلاً من الفيول في المصانع الحالية بعد إعادة تأهيلها، وربما من خلال اللجوء إلى الطاقتين الشمسيّة والهوائيّة لتوليد الطاقة أيضًا في بعض المناطق.

(2) مع وُجود إقتراحات لرفع الضريبة على القيمة المُضافة على السلع الفاخرة، ولتطبيق الضريبة التصاعديّة على الأرباح والمداخيل – كما هي الحال في الكثير من دول العالم. ومن ضُمن البنود المُهمّة دمج بعض المؤسّسات العامة، وإلغاء بعض الصناديق، وإصلاح النظام التقاعدي، إلخ.

(3) عن طريق إيجاد فرص عمل جديدة، وتسهيل عمليّات الإستثمار.

(4) يتمّ دراسة سُبل إعادة هيكل ​الدين العام​، وسُبل دمج المصارف بما يتناسب مع حاجات لبنان وقُدراته.