منذ ما قبل ولادة ​الحكومة​، بدا أنّ رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ اعتمد "تكتيكاً" جديداً في معاركه السياسية، عنوانه "أريد حصّتي وإلا".

حقّق هذا الشعار غاياته في التشكيلة الحكوميّة، فحصل فرنجية على حقيبتيْن بدل الواحدة، بعدما هدّد بالخروج من "جنّة الحُكم"، فتداعى حلفاؤه وشركاؤه لتأمين مُراده، تحت شعار "حفظ التنوّع" داخل الحكومة، منعاً لاستئثار فريقٍ واحدٍ بحصّتها المسيحيّة.

لم تنتهِ القصّة هنا، فالشعار نفسه عاد إلى التداول في الأيام الأخيرة، من بوابة ​التعيينات​ المصرفية والماليّة هذه المرّة. هنا أيضاً، قال فرنجية "أريد حصّتي"، قبل أن يوسّع مطالبه، رفضاً لاقتصار هذه "الحصّة" على مرشّحٍ واحدٍ، بنتيجة ​الاتصالات​ التي حصلت.

يقول فرنجية "إذا لم يتمّ اختيار اثنين من المرشحين الذين اقترحناهم فسنخرج من الحكومة"، في تكريس لـ "تكتيكٍ"، يحمل بين طيّاته الكثير من علامات الاستفهام، فما الذي يريده "بيك" ​زغرتا​ خلف اعتماد أسلوبٍ اعتقد كثيرون أنّه ولّى وأصبح من الماضي؟ وهل يخوض معركة بـ"الأصالة" عن نفسه، وفق منطق "ردّ الاعتبار"، أم بـ"الوكالة" عن غيره، وما أكثرهم؟!.

"محاصصة" وأكثر...

عندما رفع فرنجية صوته، مُطالباً بحصّةٍ من وزيريْن وحقيبتيْن في الحكومة، ضحك كثيرون في سِرّهم، باعتبار أنّ الرجل "فضح"، من حيث يقصد أو لا، حكومةً كان رئيسها يصرّ على أنّ قوامها من "الاختصاصيّين المستقلّين"، وأنّ دور الأحزاب السياسيّة في تشكيلها لا يتخطّى الدور "الاستشاريّ"، في أحسن الأحوال.

لم يتوقّف الرجل عند هذا "التفصيل" ليعيد الكرّة من جديد، من بوابة التعيينات المصرفية هذه المرّة، فيضحك الكثيرون أنفسهم في سرّهم مجدّداً، باعتبار أنّ الرجل "فضح" من جديد، من حيث يقصد أو لا، حكومةً كان رئيسها يصرّ على أنّها لا تشبه سابقاتها، فإذا بـ"​المحاصصة​" تشكّل عنوان نهجها، في أول استحقاقٍ تواجهه.

وإذا كان شعار فرنجية "أريد حصّتي وإلا" بدا نافراً لكثيرين، ولو استجاب له العديد من الحلفاء والشركاء، في محاولةٍ لـ"احتواء المَشكَل"، فإنّ كثيرين لا يرون فيه جديداً، سوى أنّ فرنجية بخلاف غيره، يقوله بالفم الملآن، بدل أن يمارسه "على السكت" ويدّعي "العفّة" على الملأ، كما يفعل غيره، من الجالسين على الطاولة الحكوميّة، أو المصطفّين موقتاً في خانة المعارضة، علماً أنّ هذه "المحاصصة" كانت دوماً عنوان كلّ المعارك والسجالات الحكومية، ولا يستطيع أيّ من الأحزاب المتعاقبة على الحكم، "تبرئة" نفسه أو دمه منها.

بيد أنّ مشكلة شعار فرنجية، في توقيته، تنطلق من أساسيْن، أولهما أنه "يتناقض" مع شعار الحكومة التي يشكّل جزءاً منها، والتي تنادي بالشفافيّة والإصلاح، وإن كان عدم التزامها بهذا الشعار "يشفع" له، باعتبار أنّ الحكومة لم تكلف نفسها عناء "ابتداع" آليّة واضحة للتعيينات، بعيداً عن المحسوبيات والمحاصصة، وهو ما عبّر عنه فرنجية أصلاً بقوله، إنّه لو أنّ الحكومة اعتمدت آلية معيّنة للتعيينات، "لكُنّا أول من التزم بذلك".

أما الثغرة الثانية في شعار فرنجية، فتكمن في أنّه ينسف شعار "التضامن الوزاري" عن بكرة أبيه، فضلاً عن أنّه يتيح تشريع هذا "التكتيك" في كلّ الاستحقاقات المقبلة، خصوصاً إذا ما ثبُت أنّه يُجدي وينفع، فمن يضمن أن لا يستخدمه الرجل كلّما لاح بندٌ خلافيٌ في الأفق، رافضاً فكرة التصويت، ومكرّساً منطق "حقّقوا لي ما أريد وإلا أستقيل"؟!.

بين الأصالة والوكالة

لكن، أبعد من كلّ هذه القراءات والمقاربات، ثمّة من يضع "معركة" فرنجية في غير موقع "التعيينات" التي تنطلق منها، أو حتى اعتبارات الحكومة نفسها، ولو أنّ صورة الأخيرة تبدو الأكثر تضرّراً، باعتبار أنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّها لم تأخذ "العِبرة" من انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول الماضي، وأنّ ممارساتها ليست سوى "نسخة طبق الأصل" عن سابقاتها، التي دفعت الشعب إلى أن "يثور"، وهو لن يتأخر في العودة إلى الساحات عندما تسنح الفرصة لذلك.

وفي هذا السياق، يرى كثيرون أنّ فرنجية لا يتحرّك من تلقاء ذاته في هذه المعركة، بل إنّه يخوضها "بالوكالة" عن آخرين، على رأسهم رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، الذي لم يأتِ توقيت "معركته" ضدّ الحكومة على خلفيّة ملفّ إعادة المغتربين، بالتزامن مع تحرّك فرنجية، "مصادفة"، علماً أنّ هناك من يقول إنّ رئيس "المردة" لم يكن ليدلي بدلوه، لو لم "ينسّق" الأمر مُسبقاً مع بري.

وتنطبق "معركة الوكالة" أيضاً على رئيس الحكومة الأسبق ​سعد الحريري​، الذي فاخر في أكثر من مناسبة بـ"الصداقة" التي استطاع بناءها مع رئيس تيار "المردة"، علماً أنّ الحريري بدا لكثيرين "المُستهدَف" الأول في التعيينات الماليّة، وهو ما دفع فريقه السياسيّ إلى رفع الصوت عالياً، تارةً عبر "استنهاض" رؤساء الحكومات السابقين، وطوراً عبر "الضغط" على المكوّنات الحكوميّة، من خلال إشهار ورقة "الخطوط الحمراء"، في إشارة إلى بعض المواقع والمناصب التي يعتبر "المستقبليّون" المسّ بها، "لعباً بالنار".

لكن، إذا كان كلّ ذلك صحيحاً، فإنّه لا ينفي وجود معركةٍ أخرى يخوضها فرنجية، "بالأصالة" عن نفسه هذه المَرّة، ليس لأنّه لم يَنسَ بعد ما تعرّض له إبان ​الانتخابات الرئاسية​ الأخيرة، حين حال "الوطنيّ الحُرّ" دون حصوله على لقب "الفخامة"، ولكن لأنّه يسعى لـ"مراكمة" النقاط التي يسجّلها على الوزير ​جبران باسيل​، خصمه الأول افتراضياً في السباق الرئاسيّ المقبل، وهو لذلك يضع المواجهة مع الأخير "رأساً برأس" عنواناً لكلّ المعارك والاستحقاقات، بدليل جزمه في تصريحه الأخير أنّه ليس مستعداً للاجتماع مع باسيل، حتى في حال طلب الأخير ذلك.

"ردّ اعتبار"؟!

قد يكون من الصعب "عزل" أيّ تحرك أو تصرّف لرئيس تيار "المردة" في هذه المرحلة، عن صراعه المستمرّ مع رئيس "​التيار الوطني الحر​" جبران باسيل.

لفرنجية اعتباراته الكثيرة في ذلك، والتي قد تكون محقّة في الكثير من جوانبها، خصوصاً أنّ الرجل يعتقد أنّ "الحملات" التي يشنّها جمهور "الوطني الحر" ضدّه ظالمة، ويرى أنّه في موقع "الضحية" بعد كلّ "التضحيات" التي قدّمها، والتي وصلت إلى حدّ "التنازل" عن كرسيّ الرئاسة، حين كانت "الأغلبية" المساندة له متوافرة ومضمونة.

من هنا، أصبحت "معركة" فرنجية وباسيل، أقلّه بالنسبة للأول، تتفوّق على كلّ المعارك الأخرى، لدرجة الانفتاح على الخصوم التاريخيين، بمن فيهم من كانوا يرتقون لمستوى "الأعداء"، في سبيل تحجيم الثاني قدر الإمكان.

ولكن، إذا كانت كلّ هذه الاعتبارات مُحِقّة، فهل ينفع تكتيك "أريد حصّتي وإلا"، الذي يشكّل "سابقة" يمكن تكرارها كلّ يوم، بردّ الاعتبار من هنا أو هناك؟ ألا يعبّر، على العكس من ذلك، عن "شراكةٍ" في "محاصصةٍ" نبذها الشعب؟ وأليست الحكومة، التي يحاول باسيل أصلاً "تحييد" نفسه عنها بشكلٍ أو بآخر، الخاسر الأكبر وسط كلّ هذه المعمعة، بل يشرّع "​الثورة​" عليها في أقرب فرصةٍ مُتاحة؟!.