منذ اليوم الاول لولادتها، كان من المتوقع أن تواجه ​حكومة حسان دياب​ الكثير من التحدّيات، لا سيما على المستويين الاقتصادي والمالي، وجاءت أزمة تفشي فيروس ​كورونا​ المستجد لتضاعف من الصعوبات التي تعترض طريقها، بالرغم من سعي رئيسها وبعض الوزراء إلى تقديم نموذج جديد في الحكم والإدارة.

في الأصل، هذه الحكومة ما كانت لتولد في تركيبتها الحالية لولا الانتفاضة الشعبية التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، حيث كان من المتوقع أن تستمر الحكومة السابقة برئاسة ​سعد الحريري​ حتى موعد ​الانتخابات النيابية​ المقبلة، وبالتالي لا يمكن النظر إليها إلا على أساس التحولات التي فرضتها التحركات في الشارع، لكن في المقابل يمكن القول انها جاءت في سياق نصف رضوخ من القوى السّياسية الداعمة لها.

انطلاقاً من ذلك، يمكن فهم المعارك السياسية التي تواجهها، لا سيما في الأيام الماضية على خلفية ملف عودة اللبنانيين العالقين في الخارج و​التعيينات​ المالية، حيث سعت بعض قوى المعارضة، خصوصاً تيار "المستقبل" إلى الحفاظ على حصّتها في التركيبة، مدعومة من بعض القوى الفاعلة في الحكومة، في المقابل كانت هذه الأخيرة تسعى إلى تحسين حصّتها، على قاعدة أنّ هذه التعيينات لا تختلف في أسلوبها عن كل ما كان يحصل في السنوات السابقة، الأمر الذي عبر عنه بشكل فاضح رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​، عبر المطالبة بالحصول على موقعين منها أو الانسحاب من الحكومة.

تهديد فرنجية، الذي لا يمكن القول إلا إنه يأتي في سياق لعبة الابتزاز التي تمارس بين أركان الفريق الواحد، يضعها الكثيرون في إطار الصراع مع رئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، أيّ الاستمرار في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة التي كانت قد فتحت منذ اليوم الأول لانتخاب الرئيس ميشال عون، وهو ما حصل أيضاً عند التفاوض على تشكيل حكومة دياب، حيث أصر فرنجية أيضاً للحصول على مقعدين لوزيرين (ماروني وأرثوذكسي)، مهدداً برفض الدخول إلى الحكومة في حال لم ينل ما يريد.

قبل أيام، تعرض رئيس الحكومة، الذي كان يرفض التسرّع في حسم مسألة عودة المغتربين من الخارج، إلى ابتزاز آخر، تمثل بموقف رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ الذي هدّد بتعليق تمثيل "​حركة أمل​" بالحكومة في حال لم يتم حسم المسألة في الموعد الذي حدده، لكن في المرتين اضطر دياب إلى الرضوخ أو التراجع عن موقفه، فهو لم يتأخر عن الموعد الذي حدّده بري لوضع آلية عودة المغتربين، بينما اضطرّ بسبب تهديد فرنجيّة إلى سحب بند التعيينات من جدول أعمال ​مجلس الوزراء​، وبالتالي تأجيل المشكلة إلى حين التوصّل إلى حل يرضي جميع الأفرقاء دون استثناء.

أمام هذا الواقع، المتضرّر الأول ممّا يحصل هو الحكومة نفسها، التي تخسر يوماً بعد آخر من رصيد الاستقلاليّة الذي كانت ترفعه شعاراً لها، بالرغم من أن البعض يفضّل وضع رئيس الحكومة في إطار الشخصيّة التي تسعى إلى مواجهة القوى السياسية الطامعة في الحصول على المزيد من المكاسب، إلا أن دياب، في ظل هذه المعادلة، لن يخسر شيئاً مهما كان مصير حكومته التي تستفيد من وباء كورونا لتجنب التحركات الشعبية المعارضة لها، حيث أنّ الخسارة الكبرى ستقع على عاتق القوى السّياسية الداعمة لها.

في هذا الاطار، يبدو أن السياسيين لم يتعلموا من كل تجارب الماضي، بالاصرار على المحاصصة، التي يسعى إليها الجميع دون استثناء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكأن لا أزمة ماليّة واقتصاديّة في البلاد ولا هناك فيروس قاتل يهدد العالم، متجاهلة أن الآلاف خرجوا إلى الشوارع قبل أشهر قليلة لرفض هذا النهج الكارثي، إلا أنّ الأخطر هو شعور البعض، هو البناء على رهانات إقليميّة ودوليّة، بأن موعد العودة إلى التركيبة السابقة قد حان.

في المحصّلة، قد يكون كورونا هو المنقذ الوحيد لحكومة دياب حتى الآن، الأمر الذي كان من المفترض أن يؤمّن لها بعض الهدوء في العمل رغم الصعوبات التي فرضها، لكن الأكيد أن الغيارى، في الأكثرية والمعارضة، لم يتعلموا من تجارب الماضي، ويتمنون أن تستمر هذه الأزمة طويلاً كي يستعيدوا زمام المبادرة، فهل سيأتي اليوم الذي يقلب فيه دياب الطاولة بوجه الجميع، لا سيما أنّ كلمته، في بداية جلسة مجلس الوزراء، أوحت بأنه غير مستعدّ للمغامرة بكل شيء.