بيّنت نتائج دراسة أجرتها مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس، تزايدمعدلات التجارة غير المشروعة في قطاع التبغ بنوعيها (التزييف والتهريب) في دول المشرق العربي بما فيها لبنان ومصر والأردن، وذلكخلال الأعوام القليلة الماضية وتحديداً عام 2019، والتي أثرت على زيادة الاستهلاك غير المشروعمن المنتجات غير القانونية مقابل الاستهلاك المشروع من المنتجات المحلية القانونية، ما انعكس سلباً على الإيرادات الضريبية الحكومية بسبب الخسائر الضريبية.

واعتمدت منهجية الدراسة على المراجعات والتقديرات السوقية للاستهلاك بنوعيه، والمصادر المتاحة، والعمل الميداني، واستطلاعات العلب الفارغة لمختلف العلامات التجارية التي جُمعت عشوائياً من الشوارع وحاويات القمامة في المدن الرئيسية، مع أخذ المتغيرات السوقية،والأنظمة الضريبية، وتدابير مكافحة التهريب والتهرب الضريبي بعين الاعتبار.

وكشفت الدراسة بأن البيئة السياسية في لبنان تعاني من إختلال في وظائفها والإنقسامات، تنال نتيجة سيئة عند المقارنة مع المعايير العالمية للاستقرار السياسي والحوكمة النزيهة. فهي تتسم ببيئة أمنية صعبة بسبب عدم الاستقرار في سوريا المجاورة. وقد تدهورت التوقعات الاقتصادية بشكل حاد في السنوات الأخيرة، متأثرة بضعف الثقة في ظل ارتفاع الديون العامة، وعجز كبير في الحساب الجاري، وعدم تنفيذ الإصلاحات المعززة للنمو.ومن حيث تعادل القوة الشرائية، شهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً مطرداً. وقد شكّلت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة حافزاً رئيسياً لاندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في نهاية عام 2019. ولا تزال الظروف الاجتماعية صعبة أيضاً - فقد أدى النمو الضعيف والشلل السياسي إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، في حين يستضيف لبنان ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري، مما يضع ضغطاًمتزايداً على الموارد المحلية المحدودة.

وحسب الدراسة، فإن مبيعات السوق المحلية في لبنانمن المنتجات القانونية قدرت عام 2018 بنحو 10.0 مليار سيجارة، أي بارتفاع عن عام 2017 بنسبة 8.3%، بعد أن كانت قد انخفضت بشكل طفيف في عام 2017. وشكّلت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي)المملوكة من الدولة، وهي المؤسسة المسؤولة عن تنظيم الصناعة والإشراف على أنشطة مكافحة التهريب، ما يقرب من ثلثي إجمالي مبيعات السوق المحلية من المنتجات القانونية في عام 2018، حيث مثّلت المنتجات من العلامات التجارية منخفضة القيمة ما يقرب من 70% منها، وذلكبسبب انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار الذي تزايد بزيادة تدفق اللاجئين السوريين.

وشددت الدراسة على أنالإجراءات الرقابية والتفتيشية والجمركية والقانونية السائدة والتي لا تزال تحتاج للتحسين، مع الأسعار المتزايدة للمنتجات القانونية - بسبب الضرائبالمتزايدة والمركبة المفروضة على القطاع بما في ذلك مدخلات الإنتاج، والتي تشكل رافداً محورياً من روافد الخزينة، وهي أعلى من تلك المفروضة في دول المنطقة - تشجع عمليات التجارة غير المشروعة من التهريب.

وبالرغم من أن مصر تعد أعلى دولة من حيث الاستهلاك الكلي؛ إذ بلغ حجم الاستهلاك عام 2018 ما يقدر بنحو 88.3 مليار سيجارة، أي ست مرات أكثر لبنان (14.2 مليار)، والأردن (12.6 مليار)، إلا أن نصيب الفرد كان فيها أقل منه في لبنان والأردن، كما أنها شهدت أدنى مستوى من الاستهلاك غير المشروع بين الأسواق الثلاث، مسجلة نحو 3.5 مليار سيجارة غير مشروعة، وهو ما يمثل ما نسبته 3.9% من إجمالي الاستهلاك، نظراً لسعر التجزئة المنخفض للسجائر، والذي قلل من عمليات التهريب.

في لبنان، تجاوزت التجارة غير المشروعة بثبات نسبة 20% للسنوات الثلاث التي يغطيها هذا التقرير، وبلغت ذروتها 25.9% في 2018. وهذا يعادل حوالي 3.7 مليار سيجارة غير مشروعة، أو أكثر من سيجارة من كل أربعة سجائر يتم استهلاكها في العام. وقد ارتفع هذا باضطراد على مدى فترة السنوات الثلاث، مما دفع بإدارة حصر التبغ والتنباك إلى إطلاق المؤتمر الوطني الأول لمكافحة التجارة غير المشروعة في 2018 - وهي مبادرة تشجع مختلف هيئات القطاعين العام والخاص على التعاون ومعالجة التجارة غير المشروعة. وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك غير المشروع قد زاد مرة أخرى في عام 2019، مع تحليل الربع الثاني من عام 2019، حيث أظهرت استطلاعات العلب الفارغة إلى ارتفاع معدل التجارة غير المشروعة إلى 28.1%.

ويُعتبر أداء لبنان سيئاً وفقاً للمعايير العالمية التي تقارن فعالية الحكومة والجودة التنظيمية وسيادة القانون. حيث يعوق معالجة التجارة ومراقبة الحدود ضعف البنية التحتية والإجراءات الجمركية غير الفعالة، والتعقيدات الناجمة عن الحدود الدولية الطويلة مع سوريا التي تمزقها النزاعات.

وأظهرت الدراسة أن أكثرية المنتجات غير المشروعة هي من المنتجات الآتية من السوق العراقي. اجمالاً، كان أكثر من 64% من الاستهلاك غير المشروع مكوّناً من منتجات عراقية، بعد زيادة استهلاكها بنسبة 20% في عام 2018.أما العنصر الثاني للإستهلاك غير المشروع فكانت المنتجات التي تحمل علبها تصميم العلب المخصصة للمناطق والأسواق الحرة، والتي لم يبدُ أنها دخلت السوق عبر القنوات المعفاة من الرسوم الجمركية، والتي مثّلت 12.6% منتدفق المنتجات غير المشروعة. هذا بالإضافة إلى منتجات السوق السوري التي شكّلت 10.4% من الاستهلاك غير المشروع، في أعقاب زيادة في عام 2018 بلغت أكثر من 33%. فيما شكّلتنسبة المنتجات المقلدة معدل غير عالي في لبنان، وبحجم استهلاك بلغت نسبته 2.6% من إجمالي الاستهلاك.

وأشارت الدراسة إلى أهمية الانخراط على نحو أكبر في الجهود العالمية لمكافحة التجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ، ما سيسهم في الحد منها، الأمر الذي لم يتحقق بالرغم من كافة الجهود الحكومية بهذا الصدد والتي شملت التعاون مع العديد من الجهات لمكافحة جرائم التجارة غير المشروعة والسيطرة على شبكاتها، وتنفيذ العديد من برامج التوعية الجمركية العامة.

وإذ تجد شبكات التجارة غير المشروعة طريقها في كل وقت وزمان خاصة في أوقات الأزمات، فإن الهم الأكبر الآن في الوقت الذي يتصدى فيه لبنان والعالم لفيروس كورونا، يتمحور حول إمكانية ارتفاع معدلات التهريب والتقليد وزيادة التعاملات والتجارة السوداء، فإنه من المجدي مواصلة محاربة آفة التجارة غير المشروعة، مع التنظيم المتواصل لأسعار التجزئة عبر تعزيز وتحسين السياسات الضريبية والقدرات لكشف التهريب والتقليد.