يمكن القول إن كلمة رئيس ​الحكومة​ ​حسان دياب​، في مستهل جلسة ​مجلس الوزراء​ الماضية، كانت بمثابة بطاقة صفراء لمختلف القوى السياسية التي كانت تظن بأنها قادرة على السيطرة عليها من خلال لعبة التهديد بالانسحاب من الحكومة، وكانت قراراً واضحاً منه بأن ليس لديه ما يخسره على هذا الصعيد، خصوصاً أن تلك القوى هي المحرجة اليوم أمام القسم الأكبر من المواطنين، الذين يعتبرونها مسؤولة عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد.

منذ ​تشكيل الحكومة​، أظهر دياب أنه ليس من النوع الذي يرضخ أمام الضغوط، سواء كانت على شكل تحركات شعبية منظمة من قبل بعض القوى التي خرجت من الحكومة السابقة، أو على شكل مواقف سياسية تستعيد نغمة التحريض الطائفي والمذهبي، واليوم قرر ألا تكون المواجهة مع تلك القوى فقط، بل ليس هناك ما يمنعه أن يقوم بذلك مع القوى التي سمته ومنحت حكومته الثقة في ​المجلس النيابي​، فهو على ما يبدو لا يعتبر أن هناك ديناً في رقبته عليه أن يسدده لأي جهة، الأمر الذي يعطيه هامشاً واسعاً من حرية العمل.

على الرغم من الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى الحكومة الحالية، هناك الكثير من النقاط الإيجابية التي تسجل لها، أبرزها يتعلق بأداء أغلب الوزراء إلى جانب رئيسها، الذي أثبت أنه يستمع إلى صوت المواطنين أولاً، بدليل قراره سحب بند ​التعيينات​ المالية من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، اعتراضاً على الطريقة التي كان من المقرر أن تحصل فيها، وهو ما كان محل موجة واسعة من الاعتراض على المستوى الشعبي، بعيداً عن لغة التهديدات التي كان يطلقها بعض الأفرقاء السياسيين من أجل الحصول على حصص إضافية.

بعض القوى السياسية تظن أنها تستطيع العودة إلى المرحلة الماضية، وبالتالي التعامل على أساس أن البلاد لم تشهد انتفاضة شعبية قبل أشهر قليلة، بدليل طريقة تعاملها مع أزمة تفشي ​فيروس كورونا​ المستجد، حيث سعت إلى استغلال هذا التهديد لإعادة تعويم نفسها، متجاهلة أن الفرصة المتاحة أمامها هي من أجل إعادة تصويب أدائها السياسي لا من أجل العودة إلى النهج السابق، لا سيما أن الكثير من الأزمات في حال لم تعالج لن تكون إلا وقوداً لتحركات شعبية أكبر من تلك التي شهدتها قبل فترة قصيرة.

انطلاقاً من ذلك، ورغم كل التحديات التي تواجهها، المطلوب من رئيس الحكومة المزيد من البطاقات الصفراء بوجه كل من يفكر من شركائه في الحكومة بالعودة إلى النهج السابق، ويمكنه أن يستند في هذا المجال إلى الدعم الشعبي، فالغالبية العظمى من المواطنين مؤيدة لكل كلمة قالها على طاولة مجلس الوزراء، وتريد منه أن يستمر على النهج غير آبه بأي من التهديدات التي يتعرض لها من أي جهة، فالجميع يعلم أن القوى السياسية عاجزة عن الاتفاق على أي شخصية أخرى في حال فكر أحد بدفعه إلى الاستقالة.

في الوقت الراهن، يستطيع رئيس الحكومة أن يضع معادلة واضحة أمام الجميع، تتطلب منه المزيد من الجهد والعمل، تقوم على أساس أنه يريد أن يقود المركب إلى برد الأمان، رغم كل الصعوبات، ومن يريد أن يكون إلى جانبه لنيل شرف الإنقاذ أهلاً وسهلاً به، أما بحال فكرت الغالبية في التكتل بوجهه يمكن له أن ينتقل إلى رفع البطاقة الحمراء في وجهها، وبالتالي قلب الطاولة عليها، ولتتحمل وحدها مسؤولية الانهيار أمام الجميع، لأنها لا تريد الخروج من منطق ​المحاصصة​ والمحسوبيات.