في ظل أزمة ​فيروس كورونا​ التي نعيشها، والتحدي الذي نواجهه مع وباء ما زلنا نجهل الكثير عنه وعن علاجه، فإنّ وتيرة انتشاره وسرعتها هي الحقيقة الأبرز التي ما زالت ماثلة، على رغم من انخفاض في هذه الوتيرة ببعض الدول. ومن خلال المراقبة العامة للإحصاءات الدولية التي تجرى، ولا سيما إحصاءات ​منظمة الصحة العالمية​، نلاحظ أنّ 95% من الحالات المصابة هي غير خطرة، ومعظمها لا يحتاج إلى دخول ​مستشفى​ أو علاج ب​الدواء​، بينما هناك 5% بحالة خطرة وبحاجة لرعاية صحية مشددة.

وبسبب جهلنا لمعطيات كثيرة متعلقة بهذا الفيروس، لجأت مختلف الحكومات إلى فرض حالة طوارئ صحية وكذلك حظر تجوّل، لمنع الاختلاط بين الناس وحجرهم في المنازل، المصابين منهم وغير المصابين. وربما ذلك أمراً سوياً في الفترة الحالية نظراً للصدمة التي أحدثها الفيروس، لكنّ النتيجة المتوقعة لهذا الموضوع قد تتخطى المسألة الصحية، وتنعكس سلباً على مناحٍ حياتية أخرى، كالدخول مثلاً بحالات شاذة اجتماعياً واقتصادياً. فاجتماعياً الناس ليست لديها القدرة على تحمّل البقاء في المنازل لمدة طويلة، وبطبيعة الحال سنشهد في الفترات المقبلة خرق لحالات الحظر، ستخرج الناس إلى الشوارع مع الوقت بطريقة تدريجية وتختلط مع بعضها البعض. وسنرى أيضاً ضعفاً في القدرات الاقتصادية، لا بل بدأنا بالفعل نرى التداعيات الاقتصادية للإجراءات المتبعة، مما سيؤدي كذلك إلى خروج الناس من أجل التفتيش عن المال وتلبية احتياجاتها المنزلية، ومنها المتعلقة ب​الحجر المنزلي​، خصوصاً في الدول التي لا تؤمن لمواطنيها مستلزمات الحجر.

أما عندما نتكلم عن اقتصادات الدول في مواجهتها للفيروس، فالإنهاك سيكون سمتها البارزة مع الوقت، ومن ثمّ إنهاك سياسي. من هنا، لا بدّ أن تبرز استراتيجيات وأفكار جديدة في التعاطي مع موضوع كورونا، وقد يكون منها "الحجر الجزئي"، عبر السماح للأشخاص الذين ليس لديهم مشاكل صحية بممارسة حياتهم بشكل شبه طبيعي؛ اقتصادياً واجتماعياً، في حين الاستمرار بإجراءات الحجر للأشخاص ذوي المشاكل الصحية وكبار السن، مما يسمح باستمرار ولو جزئي لدورة الحياة ويقلل الخسائر العظيمة التي سيمنى بها العالم.

وأهمية إيجاد استراتيجيات جديدة للتعامل مع كورونا، تعززها حقيقة أننا أمام أزمة ما زالت حلولها غامضة، خصوصاً مع غياب المؤشرات على إيجاد علاج لهذا الفيروس في المدى المنظور، في الوقت الذي تتكلّم فيه جهات صحية مختلفة عن فترة ستة أشهر وما فوق لناحية استمرار هذه الجائحة، كما يتم الحديث عن فترة سنة إلى 18 شهراً لناحية إيجاد لقاح له وتجريبه والتأكد من فعاليته.

وبسبب هذه الفترة الزمنية التي لا تعتبر قليلة أبداً، وبما أنه لا يمكن حجز الناس جماعياً في البيوت طيلة هذه المدة، وإلى أن نصل إلى علاج فعال لكورونا، نحن بحاجة إلى استراتيجيات جديدة، تمكّن الاقتصادات العالمية من الاستمرار، وتمكن الدول من إعادة لملمة نفسها وبناء قدراتها وفي الوقت نفسه تقدم رعاية صحية وتؤمن سلامة الفئات الأكثر عرضة للخطر.

نحن نواجه فيروس لن ينتهي، وعلى الأرجح سيتحوّل لوباء موسمي، وحتى إن وصلنا إلى الحالة صفر في دولة ما، فلا بدّ أنّ الحالة رقم واحد ستعيد انتشار هذا الفيروس من جديد. لذا، فإنّ إصابة فئة الشباب بالفيروس، مع حفظ سلامة كبار السن، ستسمح بتكوين مناعة لفئة مجتمعية واسعة، بما سيساهم بتقوية المناعة المجتمعية ضدّ كورونا على المدى الطويل، مما سيساهم بالتقليل من خطورة الفيروس وسرعة انتشاره.

مع العلم أنّ هذا الحلّ قد لا يكون قابلاً للتطبيق في بعض الدول ومنها ​لبنان​، حيث قدرات الدولة محدودة والعلاقات الاجتماعية تختلف عنها في أوروبا مثلاً. وعلى الرغم من صعوبة الأمر، لكنه لن يكون أصعب مما سينتج من خسائر فادحة على مختلف المستويات جراء المرحلة الحالية. ويبدو أنّ دولاً عدة بدأت بالفعل تستشعر هذا الأمر وتتوجه نحو مسارات جديدة في التعاطي مع الوباء، فألمانيا مثلاً تدرس إصدار "شهادات مناعة"، تسمح لمئات الآلآف بالعودة إلى شوارع مدنهم والتنقل بها، وفق ما ذكر موقع "بيزنيس انسايدر".

ويبقى السؤال: ما الأخطر؟ كورونا أم نتائجه من انهيارات اجتماعية واقتصادية، على المستوى الفردي والجماعي؟.