تصارع ​الحكومة اللبنانية​ منذ اليوم الاول للاعلان عن انتشار ​فيروس كورونا​ في العالم، لحصد النقاط لكسب ثقة اللبنانيين. لا يمكن لومها على وضعها، فهي اتت في ظروف هي الاقسى في تاريخ لبنان، وعلى وقع تحرّك غير معتاد في الشارع اللبناني، وفي ظلّ ازمة اقتصادية وصلت الى الحضيض، ليتوّج تفشي وباء كورونا المشاكل كلها بخطورته وسيطرته على اكبر دول العالم.

تدرك الحكومة انها لا زالت تحت نيران الجهات السياسية في لبنان، وتعلم تماماً ان الكثيرين ينتظرون سقوطها في الاختيارات كي يعلنوا وفاتها وانطلاق السباق لوراثتها، لذلك عمدت الى تقسيم الجبهات التي تحارب عليها، وركّزت على ما يمكنها محاربته بأقل قدر ممكن من الخسائر، وبأكبر قدر ممكن من التأييد الشعبي الممكن، ومن الطبيعي ان تكون الجبهة الاسهل هي وباء كورونا. فهو، على خطورته، مشكلة علمية خالية من اي عقبات سياسية داخلية (ما عدا الحسابات السياسية للبعض لضرب الحكومة عند اول هفوة او سقوط في المحظور). من السخرية ان يكون الملف الاكثر تعقيداً في كل انحاء العالم، هو الاكثر قابليّة للحكومة اللبنانية في التعامل معه، وذلك مردّه الى انّ اللعبة السياسية والطائفيّة في هذا البلد، قادرة على اللعب بمصيرها على عكس كورونا، وهو ما ظهر جلياً في كل خطوة من الخطوات التييمكن استغلالها سياسياً الى اقصى الدرجات، ان لجهة عودة اللبنانيين المنتشرين في الخارج او لجهة ​التعيينات​ في ​مصرف لبنان​، وهما كادا ان يطيحا بأسسها دون تحفظ.

عرف رئيس الحكومة ​حسان دياب​ ان مسابقة كسبالنقاط انطلقت منذ اليوم الاول لتوليه منصبه، لانه يحتاج اليها بشدّة ولكن المسألة معقّدة من الناحية السّياسية، فكان الخلاص بالتعامل مع الوباء، عندها شدّ الاحزمة وانطلق في رحلة البحث عن كسب المعارك، ويمكن القول انّ الامر يسير حتى الآن وفق ما تشتهيه رياحه، اذ لا تزال الارقام المتعلّقة بالوباء في لبنان ضمن "المعقول"، وهو لم يتردّد في النزول الى المطار لمواكبة عودة الدفعة الاولى من اللبنانيين من الخارج، مطلقاً سلسلة مواقف من شأنها ان تضع عمل حكومته تحت الاضواء التي تحتاجها وقد عزّزها كلام رئيس مجلس ادارة "​طيران الشرق الاوسط​" لجهة اقتطاع 50 في المئة من اسعار بطاقات السفر للطلاب غير القادرين على دفع المبلغ، واجراءات اخرى تتعلق بالحجوزات بالفنادق وغيرها، والعمل على انجاح خطوة تقديم مساعدات مادّية وعينيّة للمحتاجين...

واذا استمرت الامور على ما هي عليه بالنسبة الى التعامل الرسمي مع كورونا، من المتوقع ان يحصد دياب وحكومته نقاطاً هم بأمسّ الحاجة اليها لمواجهة مشاكل اكثر خطورة بالنسبة اليهم، تتعلق بالسياسة وبالحسابات الضيّقة التي لن ترحم. من هنا، يمكن القول ان مصائب كورونا عند الحكومة فوائد، ومن المهم جداً ان تكون هذه الفوائد عديدة وناجحة، لانها ستكون محطة مفصليّة للعديد من المحطّات الاخرى التي نجحت في اغراق الكثير من الحكومات السابقة في رمال متحرّكة وفرضت ايقاعها الخاص المستمر منذ عقود طويلة من الزمن، دون القدرة على تغييره او حتى المساس به، وهذا سيعني أمرين لا ثالث لهما: اما فرض دياب نفسه كخليفة لرئيس الحكومة السابق سليم الحص بنسخة اكثر "ازعاجاً" للآخرين، واما انخراطه في نادي الرقص على ايقاع التسويات والحبال من اجل البقاء، فيطير بذلك ما سيتبقى من رصيد كسبه في معركة كورونا، ولن يكون القرار سهلاً لان فيه مصير حياة سياسية قد تطول او تقصر وفق الخيار المتخذ. لا يزال هناك وقت فرضه الوباء بالقوّة، وهو ما يجب استغلاله جيداً لمعرفة الصورة المستقبلية للحكومة ورئيسها.