شكل تهديد رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​ بالانسحاب من الحكومة، قبل موعد الجلسة السابقة ل​مجلس الوزراء​، صدمة في الكثير من الأوساط السياسيّة والشعبية، لا سيّما أنّ هذا الموقف لم يأتِ اعتراضاً على سياسات الحكومة أو رغبة في تحسين أدائها في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، بل طلباً لزيادة حصّة التيّار في ​التعيينات​ الماليّة: من مركز إلى مركزين، وكأنّ هناك من المواطنين، الذين يعانون ما يعانون بسبب الظروف الاقتصاديّة الضاغطة، التي ضاعفتها أزمة تفشّي ​فيروس كورونا​ المستجدّ، من يهتم لمثل هذا الأمر.

قد يكون من المفيد البحث عن الأسباب التي دفعت فرنجيّة إلى تخطّي رئيس المجلس النيابي ​نبيه برّي​ في التصعيد بوجه الحكومة، نظراً إلى أنّ الأخير كان قد هدّد بتعليق تمثيل "​حركة أمل​" فيها بسبب ملف عودة اللبنانيين المغتربين من الخارج، بينما رئيس تيار "المردة" ذهب إلى التلويح بالاستقالة، لكن جدياً من يهتم بمثل هذا الأمر، وما هو تأثير انسحاب وزيرين من الحكومة على أوضاع المواطنين الاجتماعيّة والاقتصاديّة، هل سيجنّب بقائهما الكثير من العائلات من السقوط الحتمي تحت خطّ الفقر؟ أم أنّه سيحسن من الإجراءات القائمة لمكافحة كورونا؟.

في حقيقة الأمر لا أحد يهتمّ، المواطنون في مكانٍ آخر بعيدا عن البحث في تحسين حصّة هذا الفريق أو ذاك في السلطة أو في الإدارة، أصلا كيف من الممكن أن تفكّر أيّ شخصية عامّة في الخروج إلى العلن للمطالبة بذلك، بينما هناك من شعبها من يفكّر بكيفيّة زيادة حصّة عائلته الغذائيّة لا أكثر، أو في كيفيّة حمايتها من الفيروس القاتل عبر تأمين مواد التنظيف والمعقّمات التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.

لو فكّر رئيس تيار "المردة" في طرح الاستقالة من الحكومة لأيّ سبب آخر كان من الممكن أن يتحوّل إلى بطلٍ شعبي، مثلاً أن يقول أن مجلس الوزراء تأخر في إقرار المساعدات للأسر الأكثر حاجة، أو أنّ المطلوب المزيد من الإجراءات لمساعدة الشركات الخاصّة على الصمود في ظلّ اقفال معظمها، أو أنّ ما قامت به الحكومة حتى الآن غير كافٍ، وبالتّالي هو يريد أن يضغط عليها لدفعها إلى العمل.

هناك الكثير من الأسباب الموجبة التي كان من الممكن أن يذهب لها فرنجيّة في حال كان يرغب بالخروج من الحكومة، إلا البحث عن حصّة إضافيّة كما فعل عند مفاوضات تشكيلها عندما أصرّ بالحصول على وزيرين لا واحدا فقط، وكأن ليس هناك من شيء تغير على مستوى العقليّة التي تتحكّم في اتخاذ القرار لديه، كما هو الحال عند الكثير من القوى والشخصيّات السّياسية أيضاً، حيث خرج اللبنانيّون، قبل أشهر قليلة، إلى الشوارع للقول كفى، لا يمكن الاستمرار في هذا النهج إلى ما لا نهاية.

أصعب ما هو حاصل بعد تهديد رئيس تيار "المردة"، هو ما يتمّ الترويج له في بعض الأوساط السّياسية، لناحية أنّ ما قام به الرجل يأتي في سياق الصراع القائم على موقع ​رئاسة الجمهورية​، أيّ أنّه يريد منافسة رئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​ عبر هذه البوابة، أيّ ​المحاصصة​ على المواقع المسيحيّة في الدولة، لكن عملياً من يهتم لذلك؟ من يفكر في هكذا معركة في الوقت الراهن؟ هل يظنّ فرنجية أنّ هناك بين اللبنانيين من هو مهتمّ إلى خوض هكذا معركة الآن؟ وهل يعتبر أنّ الحصول على منصب إضافي سيعزز من حظوظه؟.

عند سؤال فرنجيّة عن المعركة الرئاسيّة المقبلة، كان يجيب دائماً أنّ هذا متروك إلى ظروف المرحلة التي ستأتي فيها، الإقليميّة والدوليّة طبعاً، واليوم العالم يتغيّر على وقع "كورونا" أولاً وأخيراً، وبالتالي المطلوب من جميع العاملين في الشأن العام في لبنان أن يتماهوا مع هذا الواقع الجديد، والتفكير جيّداً قبل فتح أيّ مواجهة، لا سيما أنّ المطلوب من كل القوى السّياسية التي كانت في السلطة، على مدى سنوات طويلة، البحث في كيفيّة التكفير عن ذنوبها لا زيادتها، والتذكّر دائماً أن لا أحد مهتمّ بمعاركها الجانبيّة.

حسناً فعل رئيس تيار "المردة" عبر الإعلان، بعد سحب رئيس الحكومة ​حسان دياب​ بند التعيينات الماليّة، أنه لن يتدخّل بعد الآن في بازارات التعيينات، الأمر المطلوب من الجميع دون استثناء، على أمل أن يدرك معظم من هم في موقع السلطة أنّ المطلوب منهم، استثنائياً، أن يكسروا حظر التجوّل، من أجل التعرّف على حقيقة ما يفكّر به المواطنون وما يشغل بالهم في هذه المرحلة الحرجة.