ربما لا يختارُ ​الإنسان​ الطريق الذي يسلكه في ​الحياة​، لأنَّه يتواجد أمام طرق مختلفة... منها ما يسلكها بإرادته وبقراره الخاص، فيشقُّ سُبلَها بعزمٍ وثبات، ومنها ما يتمُّ توجيهه إليها أو فرضها عليه من قبلِ أهله أو واقعه الاجتماعي، ما يُصعِّب اتخاذ القرار ما بين الطريق المُراد اختيارها وبين ما يُفرَضُ عليه. فتبدأ المواجهة وتتقلَّصُ الفرصُ التي يودُّ الإنسان رسمها لنفسِهِ وبالتالي لمَصيرِهِ. وتليها مفترقات طرق، فمنها ما قد يبدو واضحًا منذُ البداية، ومنها مُبهمًا... إلَّا أنَّهُ في كلتَي الحالَين هناك قرار يجبُ اتِّخاذه وبالتَّالي، تَحمُّل نتائجه. وبقدر ما يتحلَّى الإنسانُ بالصَّبرِ، بقدرِما يسطيع الصُّمود وبالتالي مواجهة الأزمات، وإنَّما بحكمة، كي تبلغَ حياتُه ميناءَ أمان مرتكزةً على قاعدة ثابتة، في كلَّ مرَّةٍ يخطو خطوة ويتغلَّب فيها على محنة؛ وحتَّى ولو تعرَّضَ للفشل أحيانًا، فبالحكمة عينها يستطيع الإنسان معاودة النُّهوض والمضي قُدُمًا...

وكم تسهلُ الطريق ولو كانت وعرة، في حال كان الاختيار منذ البداية نابعًا من قناعةٍ فرديَّة، مدعومة على مَشورة نالها بتوجيهٍ من أبناء الحكمة... ففي الطريق، تتبدل مخطَّطات الحياة وتطرأ مواقف قد لا تكون بالحسبان، ويصبح الإنسان مُتردِّدًا وحائرًا ما بين ماضٍ ولَّى ومستقبل آتٍ... بين مبادرات جديدة وأفكار قديمة... وهناك دومًا واقع مفروض، ينتجُ عنه قرار إمَّا يقودُنا إلى دروب الحياة المظلمة أو المضاءة الملأى بالرجاء والبعيدة عن اليأس والاستسلام...

دائمًا يحاولُ الإنسان أن يختارَ الأفضل وأن يُنميَ في حياته المواهب التي منحَهُ إيَّاها الله، ولكن يبقى السؤال: هل يدركُ قيمتها؟ أو حتَّى هل يعرفُ كيفَ يستثمرُها؟...

وبالعودة إلى نقطة الانطلاق، يقتضي على الإنسان أن يرسمَ بنفسه هذا الطريق على أن يكونَ هذا القرار نابعًا من ذاتِهِ، مُرتبطًا بأهداف سامية وليس بأشخاصٍ أو حتَّى بأمور سطحية مُتضاربة مع البعد الإنساني الإلهي...

إنَّ اختيار الطريق يتطلب من الإنسان رؤية واضحة وقدرة على التمييز وربَّما يحتاج إلى أصدقاء ومرشدين ذوي خبرةٍ ووَعيٍ، كما ذكرنا آنفًا، ولكن يبقى الاختيار الشخصي هو الأساس وسيِّد الموقف لأنَّ الكائنَ البشريّ هو إنسانٌ حرٌّ، وهذه الحريَّة هي دعوة سماويَّة وبالوقت عينِه هي قرار للأبديَّة...

فلا بدَّ من خوض المعركة في هذه الحياة، لنُعطيَها قيمةً ولوجودنا علَّةً... ومَن يدري؟ قد نصبحُ قادرينَ بدَورِنا على مساعدة الآخرين لاتخاذ قراراتهم وليشقُّوا بأنفسِهم طرق حياتهم التي لا بدَّ فيها من ولوجِ مراحل الجلجلة الصعبة الأليمة المُسمَّر عليها الإنسان التائه في عالم الخطيئة...

يجبُ أن يَضعَ الإنسانُ نصبَ عينَيهِ دائمًا، السَّبيل لإيجادِ مخرجًا متى قُطع عليهِ الطريق لسببٍ أو لآخر، إذ تبقى المشقات والصعوبات مُرادفًا لكُلِّ طريق قد نسلكُه، والذي قد نتعثَّرُ عليهِ، أو حتَّى نتراجعُ عنهُ بعد وقتٍ... المهم ألَّا نتوقف إلَّا لإعادة النَّظرِ بما قد مضى وللتجدُّدِ قبل الإنطلاق مرَّةً أخرى وبزخمٍ أقوى، كي تكونَ كلُّ بدايةٍ هي مسيرةٌ جديدةٌ في قلبِ حياتنا الأرضية والفانية، وكذلك نهاية مطافها...

أمقطوعًا كان الطريق أو سالكًا، علينا أن نتذكَّرَ أنَّ كُلَّ طريق وجبَ أن يكونَ دومًا مُشرَّعًا على السماوات والأبديَّة.