قبل أيام، أصدر حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ تعميمين حرّر بموجبهما ودائع صغار المودعين التي تقل عن 5 ملايين ليرة أو 3 آلاف دولار وفق سعر الصرف المعمول به في السوق، لكن الكثير من الأسئلة طرحت حينها حول السعر الذي سيتم على أساسه ذلك: هل هو السعر الذي سبق أن حدّده ​المصرف المركزي​ في تعميم سابق، أي 2000 ليرة، أو ذلك القائم في السوق السوداء، الذي كان قد وصل إلى ما يقارب 3000 ليرة لبنانية.

وبعيداً عن الخلفيات السّياسية لهذا القرار، نجاحه يتطلب تعاون جهتين أساسيتين: جمعيّة ​المصارف​ ونقابة الصيارفة، وهو ما تأمّن قبل بداية تطبيقه، حيث أكّدت الأولى أنّ المصارف ستقوم بتحديد سعر الصرف اليومي للدولار، بالتنسيق مع المركزي، في انتظار أن يستكمل الأخير إنشاء وتشغيل نظام التداول الإلكتروني المخصص لتحديد أسعار التداول اليومية للعملات الأجنبية، بينما الثانية أكدت أن أساس نجاح وتفعيل العمل بالتعميم الجديد و​تحقيق​ اهدافه يفرض حكماً على الجهات القضائيّة والأمنيّة الاستمرار بملاحقة وقمع منتحلي مهنة الصرافة.

في هذا السياق، تم التداول اليوم بوجود 4 أسعار لسعر صرف ​الدولار​ الأميركي مقابل ​الليرة اللبنانية​، الأول هو الرسمي (1515)، الثاني هو الذي في المصارف بالنسبة إلى صغار المودعين (2600)، الثالث هو عند الصيارفة المرخصين (2830)، أما الرابع فهو ذلك القائم في السوق السوداء، الذي وصل إلى 2900.

حول هذا الموضوع، يعتبر الخبير الاقتصادي ​وليد أبو سليمان​، في حديث لـ"النشرة"، أنه في ظلّ عدم ضخّ سيولة بالدولار في السوق لا يمكن الحديث عن أي ضبط لسعر الصرف، وبالتالي الحسنة الوحيدة لهذا الإجراء تكمن بتحرير حسابات الفئة المحدّدة من المودعين، لكنه يعرب عن مخاوفه من أن يقدم هؤلاء على شراء الدولارات، وبالتالي زيادة الضغط على الليرة اللبنانية.

بالتزامن، يشير أبو سليمان إلى أن ما حصل يطرح بعض علامات الاستفهام من الناحية القانونيّة، أولاً لجهة التمييز بين المودعين، سواء بالدولار أو بالليرة، وثانية لجهة الأسباب التي تدفع إلى إعطاء المودع بالدولار أمواله بالليرة اللبنانية، لا سيما أنّ هناك أسعار أعلى من المحدّد في السوق.

في المقابل، من جانبها، تشير الصحافية المتخصصة بالشأن الاقتصادي محاسن مرسل حلبي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ البلاد لا تزال في حالة من الغموض على هذا الصعيد، الأمر الذي قد يؤدّي إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء، لا سيما أن الصيارفة لم يلتزموا في التعميم السابق الصادر عن مصرف لبنان، الذي حدّد سعر الشراء بـ2000 ليرة، في حين كان الإقبال يرتفع في السوق السوداء، الأمر الذي أوجد 3 أسعار يتم التعامل بها.

وتلفت حلبي إلى أنه اليوم بات هناك 4 أسعار للصرف، لكن المرجّح أن يذهب أصحاب الحسابات، غير المجبرين على سحب ودائعهم، إلى سحبها، خصوصاً أن السعر المحدد (2600) قد يكون مشجّعاً لهم، لا سيما أنّ أغلبهم هم من الذين بحاجة إليها في ظل الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي تشهدها البلاد.

في هذا السياق، لا ينكر نقيب الصيارفة محمود المراد، في حديث لـ"النشرة"، أن قرار مصرف لبنان أثار في البداية بلبلة في السوق، لا سيما أن الطلب على الدولار كان مستمراً بالارتفاع بالرغم من حالة التعبئة العامة، الأمر الذي يفسره بأنّ التجار يستمرّون في الشراء تحضيراً لمرحلة عودة الأمور إلى طبيعتها، على افتراض أن تتضح في الأيام المقبلة، خصوصاً مع ذهاب أصحاب الودائع الصغيرة إلى سحبها.

ويستبعد المراد أن يؤدّي ذلك إلى زيادة الضغط على الليرة اللبنانية، نظراً إلى أن المعنيين في هذا الإجراء هم صغار المودعين، الذين كانوا يسعون للحصول على 100 أو 200 دولار لتدبير أمورهم، وبالتالي بعد أن استفادوا من السعر الجديد سيذهبون إلى صرف المبالغ التي سيحصلون عليها، لا إلى شراء دولارات لوضعها في المنازل، ويشير إلى أنّ الصيارفة سيكونون على تعاون مع المصارف ومصرف لبنان.

في المقابل، تكشف مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، أن من المستبعد أن يكون السعر لدى الصيارفة هو السعر المقرّر لودائع صغار المودعين، أيّ 2600 ليرة، وتؤكد أنه سيكون اعلى من ذلك من دون أن تذهب إلى تحديد أيّ رقم، نظراً إلى أنّ هذا الأمر يرتبط بالعرض والطلب، إلا أنّها تشير إلى إجراءات مشدّدة أمنيّة ستنفّذ لمتابعة الصيارفة غير الشرعيين.

وتوضح هذه المصادر أن المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​، الذي كان عرّاب صيغة تحرير حسابات صغار المودعين، يتابع هذا الموضوع مع المعنيين، وهو عقد أكثر من اجتماع في ​الساعات​ الماضية، وتلفت إلى أنّ ​الأمن العام​ سيكون حاضراً في متابعة هؤلاء، في المقبل من الأيام، بعد أن كانت المسألة محصورة بالمديريّة العامة ل​أمن الدولة​ بشكل أساسي.