أكثر من واضح هو تصميم وزيرة العدل ​ماري كلود نجم​ على تخفيف عدد القابعين في السجون اللبنانية الى ما دون النصف، أيّ بمعني آخر، الإبقاء على عدد من السجناء يتراوح بين ٣٠٠٠ و٣٥٠٠ سجين من أصل حوالي ٧٥٠٠. أهداف هذا المشروع، لا تقتصر فقط على تخفيف الإكتظاظ للحد من إنتشار فيروس كورونا، بل تشمل أيضاً مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي تقول إن السجون اللبنانية مخصّصة لإستقبال ٣٠٠٠ سجين فقط بينما هي تستوعب ما يزيد عن ٧٠٠٠. وبحسب المصادر المتابعة، ركّزت الوزيرة نجم منذ بداية المشروع على الإجراءات التي لا تحتاج الى قوانين وتشريعات معقدة، وذلك بهدف تسريع إخراج الموقوفين والمحكومين، لأننا في زمن كورونا نحن بأمس الحاجة الى تخفيف الإكتظاظ في السجون.

لكل ما تقدم وضعت نجم على نار حامية، وبالإتفاق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الداخلية محمد فهمي والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ونقيب المحامين ملحم خلف، أكثر من مشروع. الأول هو العفو الخاص عن عدد كبير من المحكومين وهو يصدر بتوقيع من رئيس الجمهورية، وهنا تشير المعلومات الى أنّ التوجه هو للعفو عن كل سجين بقي من محكوميته سنة حبس، وقد يصل عدد هؤلاء الى أكثر من ٦٠٠ محكوم، هذا بالإضافة الى المرضى وعددهم بحسب مديرية السجون في قوى الأمن الداخلي قد يتخطى الـ٧٠٠ سجين، يتوزعون بين مرضى الأمراض المستعصية كالسرطان والسلّ والسيدا، وبين ذوي الإحتياجات الخاصة والمقعدين وغيرهم. المتقدمون في السن أيضاً سيشملهم العفو إضافة الى جرائم أخرى، ولكن كل ذلك لن يتم إلا بعد وضع جدول يحدّد أسماء الذين سيعفى عنهم، والمعيار الأول هنا ألا تكون جرائمهم خطرة وضدّ أمن الدولة وألا يشكل خروجهم من السجن خطراً على المجتمع.

الثاني، هو ما كشفه القاضي عويدات عن هبة فرنسيّة وافقت عليها مبدئياً وزيرة العدل الفرنسية، وتقضي بتزويد فرنسا القضاء اللبناني المستلزمات التقنية لمشروع السوار الإلكتروني "bracelet electronique" الذي يسمح للقضاء بإخلاء سبيل موقوفين من أصحاب الجنح البسيطة والجرائم العاديّة بالخروج من السجن، شرط مراقبة حركتهم من قبل الأجهزة الأمنية من خلال سوار الكتروني يعمل بنظامgpsيعلّق في اليدّ أو رجل السجّين وهو لا يتمكن من نزعه كونه مقفلاً، وعلى هذا الصعيد تكشف المصادر القضائيّة أنّ النيّابة العامة التمييزية تعدّ دراسة عن الموقوفين الذين سيستفيدون من هذا الإجراء ويأتي في طليعتهم القاصرون، وموقوفو الجنح البسيطة كتعاطي المخدرات والشيكات بلا رصيد مثلاً، وقد تشمل الدراسة أيضاً جرائم نفقة الطلاق. المهم في هذا المشروع يقول مصدر قضائي هو أنّه لن يعرقل بسبب التمويل، كونه هبة مقدّمة من الحكومة الفرنسيّة. وبما أنّ المشروع يحتاج الى بنى تحتيّة كالإنترنت والكهرباء والكادر البشري الذي يجب إن يتمّ تدريبه للعمل على هذا النظام، تدرس كل هذه الأمور راهناً قبل قبول الهبة للتأكّد من أن الذي سيُركّب سيعمل.

أضف الى هذين المشروعين، ما كانت قد بدأته ​وزارة العدل​ بالتنسيق وزارة الداخلية ونقابة المحامين، وهو ما أخرج المئات حتى اليوم من السجون، والمقصود هنا إعفاء السجناء الذين إنتهت مدة أحكامهم من الغرامات التي تحتجز حريتهم، وقيمتها تصل الى ٦٠٠ مليون ليرة. ومن الإجراءات التي يعمل عليها أيضاً بعد تسريع الإستجوابات عبر الواتساب فيديو، هو تفعيل تطبيق المادة ١٠٨ من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أن فترة التوقيف الإحتياطي في الجنح لا يجب أن تتخطى الأربعة أشهر وفي الجنايات السنة، وفي هذا السياق، تتحدث المصادر الأمنية عن وجود ٢٥٣٠ موقوفاً موزعين على ٣١٢ نظارة، وإذ بُتت ملفات هؤلاء بسرعة تتوقع المصادر المتابعة أن تخرج منهم نسبة تتراواح بين ٥٠ و٧٠ ٪‏.

إذاً، ملف تحفيف الإكتظاظ في السجون فتح على مصراعيه وسلك طريقه الى التنفيذ، ولكن الأكيد أن سجناء الإرهاب لن يكونوا مشمولين لا بقانون العفو الخاص ولا بمشروع السوار الإلكتروني ولا بأي إجراء آخر.