منذ اليوم الأول لبداية أزمة ​كورونا​ في البلاد، حرصت الحكومة على دعوة ​البلديات​ إلى القيام بدورها، من خلال رمي الكثير من المسؤوليات عليها في هذه المرحلة الحساسة، في حين كانت مهملة على مدى سنوات طويلة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن قدراتها في هذا المجال، نظراً إلى أنه بحسب النصوص القانونيّة لها الحقّ والصلاحيّة في القيام بمجموعة واسعة من الإجراءات.

في هذا الاطار، يمكن الحديث عن جملة واسعة من المشاكل التي تواجهها بعض البلديّات، لاسيما تلك الكبيرة، حيث عرّت هذه الأزمة عن انكشاف بعضها مالياً، لناحية عدم توفر الإمكانات بينما هي تعتبر من الأغنى على مستوى لبنان، بالتزامن مع عدم تخلي بعض الأحزاب عن منافستها أو السعي إلى تسجيل الإنجازات لنفسها، وهو ما يحتم العودة إليه في مرحلة لاحقة، أيّ بعد الانتهاء من تداعيات كورونا.

في المقابل، نجحت بعض البلديات، خصوصاً تلك التي تُصنّف صغيرة أو متوسطة، في القيام ببعض الإجراءات التي ساعدت أبناءها والمقيمين فيها على الصمود، لكن ذلك لا يلغي أنها لن تكون قادرة على الاستمرار بالوتيرة نفسها في حال لم تحصل، على الأقل، على مستحقاتها من الدولة اللبنانية.

المشكلة الأساسية، بحسب ما يؤكد رئيس بلدية شارون مهنّا البنّا في حديث لـ"النشرة"، تكمن بالواقع العام المتمثّل في إهمال البلديّات لدورها من قبل الدولة اللبنانية على مدى سنوات طويلة، في حين كانت هي الملجأ الأول منذ اليوم الأول لبداية الأزمة، الأمر الذي دفعه إلى توجيه كتاب مفتوح إلى المعنيين، بهدف وضع الأمور في نصابها، كي لا تُرمى على البلديات مسؤوليات لا يمكن لها أن تتصدّى لها في ظل إمكاناتها الضعيفة.

بدوره، يشير رئيس بلدية كفرشيما وسيم رجي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه في الأزمات يطلب من البلديات التحرك بينما في الأوقات العادية لا أحد يهتم بها، الأمر الذي يترجم بعدم تحويل العائدات الماليّة لها، ويوضح أنه من أصحاب نظرية أن على البلديات أن تنسى تلك العائدات وتعمل على قدراتها الذاتيّة لمواجهة الأزمة، التي هي في الأساس تبرعات من أصحاب الأيادي البيضاء.

من جانبه، يشير رئيس بلدية برج قلاوية محمد نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن البلدية كانت مجهّزة بخطّة سابقة، نظراً إلى أن البلدة الجنوبية معرضة دائماً للاعتداءات الإسرائيلية، وبالتالي الخطة تتضمن الأخذ بعين الاعتبار وجود الأزمات التالية: النزوح، الصحة، الضحايا وفقر الحال، ومع بروز أزمة كورونا كان المطلوب تغيير العنوان فقط، الأمر الذي ساعدها بالتحرك بشكل أفضل وأسرع.

على مستوى شارون، يوضح البنا أن البلدية عمدت إلى عقد جلسة مفتوحة عن بعد، منذ 15 آذار، لمتابعة التطورات، وهي تتعامل مع الأزمة على أساس أنها تطال الجميع، أبناء البلدة والمقيمين، ويشير إلى العمل على ربط المقيمين من غير أبناء شارون مع البلديات المختصة، أي التعاون في سياق تحقيق الأهداف المرجوة، خصوصاً أن هناك ما يقارب 1200 وحدة سكنية في نطاقها الجغرافي، بعد أن كانت بدأت في إجراء ميداني واسع لمقاربة أوضاعهم.

أما في كفرشيما، فيلفت رجي أن البلدية تمكّنت ذلك من توزيع نحو 1000 حصة غذائية، تبلغ كلفة الواحدة منها ما بين 40 إلى 50 ألف ليرة لبنانية، كما أنها أمّنت أدوية بقيمة 5 ملايين ليرة، ويتحدث عن تعاون الأهالي حيث تطوع العديد منهم للمساعدة، الأمر الذي سمح بتوزيع المساعدات على المحتاجين في منازلهم، في حين أن عدداً قليلاً هو من حضر إلى البلدية.

ويتحدث نور الدين عن أن البداية كانت من خلال جمع العاملين في ​القطاع الصحي​ (30 شخصاً)، ثم كان الاهتمام بالموضوع الاجتماعي، أي العائلات المعدومة، حيث تم وضع 3 معايير أساسية لها: عائلة أو أفراد لا معيل لهم، الذين علقت أعمالهم بسبب كورونا، من لديهم مدخول أقل من 500 ألف ليرة، ويوضح أنه تبين وجود 111 حالة في البلدة، ويضيف: "بعد ذلك بدأ العمل على جمع التبرعات والمساعدات من الميسورين والخيّرين"، ويؤكد أن ذلك يأتي بالإضافة إلى دور البلدية في الشقّين الرقابي والوقائي، ويثني على الدور المساعد الذي يقوم به مندوب ​وزارة الصحة​.

على الرغم من هذه المحاولات البسيطة، يشدّد البنا على أن العمل الأساسي يكمن في الربط بين المساعدات التي تقدمها الدولة والأحزاب و​الجمعيات الأهلية​، ثم التصدّي لما يمكن أن تقدّمه البلديّة على هذا الصعيد، التي عمدت إلى انشاء صندوق تعاضدي، بالتعاون مع الشخصيّات القادرة على تقديم الدعم والتبرعات، مع العلم أنه سبق له الاعلان أن إمكانات البلدية ضعيفة، ويستغرب الحديث عن مستحقات البلديات من الخليوي حتى العام 2017، أي بتأخير 3 سنوات، حيث يؤكد أن ذلك لن يسمح لها بالتصدي إلى المشكلة بالشكل المطلوب، في ظل المسؤوليات الملقاة على عاتقها.

من جانبه، يؤكد رجي أن البلدية في حال قررت الاستمرار على الوتيرة نفسها قد لا تكون قادرة على ذلك لفترة طويلة، وبالتالي هي من الممكن أن تقوم بإعادة توزيع مساعدات لمرة واحدة أو 2، خصوصاً أنه لا يستطيع معرفة احتمال الحصول على تبرعات جديدة أم لا، ويوضح أنه نظراً إلى أن البلدية تعتبر كبيرة نسبياً لم تستطع تغطية تكاليف المولدات الكهربائية الخاصة، لناحية تخفيض كلفة الاشتراك أو دفعه عن المشتركين، لكنها توصلت إلى اتّفاق مع مشغّليها بعدم قطع التيار عمّن لا يستطيع الدفع في هذه الفترة.

في المقابل، الإجراءات، التي يتحدّث عنها نور الدين، يؤكّد أنها أنجزت في الوقت الذي لم تقدّم الدولة أي قرش، ويشير إلى أن الموضوع يعود بالدرجة الأولى إلى الثقة بين البلدية والمواطنين، لكنه يشدد على أن ليس كل البلديات قادرة على القيام بالأمر نفسه، نظراً إلى أن بعضها لا يمتلك هذه الإمكانات الذاتية.

ويكشف نور الدين عن أن خطة البلدية تمتد من 100 يوم إلى عام كامل، تشمل الموضوع الصحي والغذائي والخدماتي، ويشدد على أن أساس النجاح هو وجود معايير واضحة، بالإضافة إلى تنسيق الجهود بين مختلف الجهات الفاعلة، كي لا يكون هناك عائلات تحصل على مساعدات من أكثر من جهة، بينما هناك عائلات أخرى لم تحصل على أيّ معونة، ويضيف: "هذا الأمر يساعد عند تقديم الدولة مساهمتها، حيث يشير إلى أنه إذا كان هناك مساعدات من قبلها لنحو 50 عائلة من أصل 100، تشطب البلدية تلك العائلات من لوائحها، ما يعني زيادة قدرتها على تقديم المساعدات لفترة أطوال لباقي العائلات".

انطلاقاً مما تقدم، يبدو أن البلديات الصغيرة والمتوسطة، رغم محدودية إمكاناتها، قادرة على تنظيم أمورها، إلى حدّ بعيد، في حال حصلت على مستحقاتها من الدولة اللبنانية، لكن السؤال يبقى حول البلديات الكبيرة، لا سيما تلك التي تضم عدداً كبيراً من القاطنين من غير أبناء المدن والبلدات، الأمر الذي يرى نور الدين أن من الممكن معالجته عبر التقسيم إلى أحياء، مع وجود مندوب عن كل حي.

في المحصلة، نجاح البلديات في هذه المهمة يتوقف على الثقة بين مجالسها والمواطنين بالدرجة الأولى، حيث من غير المتوقع أن تنجح بلدية هناك علامات استفهام وشبهات فساد حول أدائها في جمع التبرعات، لكن هذا لا يلغي أهمية التضامن والتكافل الاجتماعي بين المواطنين، الذي من الممكن أن يكون عبر تولي كل من هو قادر مجموعة من المواطنين، على أن يتولى الآخرين مجموعات أخرى.