قد تكون مصادفة غريبة او غير منطقية ان يعترف اميركيون (بالولادة او عبر الحصول على الجنسية)، بأنه في الوقت الراهن يعتبرون ان لبنان افضل من ​الولايات المتحدة​، وقد فضلوا البقاء فيه على ان يخوضوا مغامرة اكثر خطورة بالعودة الى الولايات المتحدة الاميركية. هذا القول لم يأت عبر مواقع التواصل الاجتماعي او من "فبركة" بعض الاخبار لمن يرغب في تقطيع الوقت، انما في مقال نشرته وسيلة اعلامية مرموقة عالمياً هي "سي. ان. ان"، وكي تكون الموضوعية محترمة، فإنّ مقارنة هؤلاء الاميركيين للبلدين اتت من خلال مقاربتهم للتعاطي مع وباء ​كورونا​، حيث اعتبروا ان لبنان يبقى افضل من اميركا في مقاربته لهذا الملف. من المفهوم الا يعتبرالبعض ان المقارنة تصحّ بين اميركا ولبنان على اكثر من مستوى، وهو محقّ بطبيعة الحال، انما عندما يتعلق الامر بوباء كورونا، فإن المعايير تختلف بشكل جذري، ويصبح القول بأن لبنان اكثر اماناً وفق هذا المفهوم، من الامور المفهومة والواقعية.

لا شك ان السياسة التي اتبعتها ​الادارة الاميركية​ الحالية جعلت الكثيرين يشككون في جدواها لمحاربة الوباء، وارتفعت الاصوات في الداخل والخارج على حد سواء، للتدليل على بعض مكامن الاخطاء التي ارتكبتها الحكومة، انما الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ لا يزال مصراً على انه لم يرتكب اي خطأ، وعلى ان سياسته كانت سليمة مئة في المئة، فيما الارقام تعلو بشكل مضطرد لناحية الاصابات والوفيات في مختلفالولايات الاميركية. وبدل التعاطي بطريقة اكثر واقعية وانفتاحاً على العالم، اختار ترامب التزام "الحجر الاميركي" وقطع الروابط مع باقي الدول، فهدّد بمقاطعة منظّمة الصحة العالمية، ووجّه كلاماً قاسياً للصين، ونأى بنفسه عن ​اوروبا​، فزادت مشاكل الاميركيين تعقيداً.

لكن المثير للسخرية، هو وجود اصوات لبنانية تعمل على التغاضي عن كل هذه الامور والحقائق، وانتقاد كل ما يحصل في لبنان لجهة مكافحة الوباء، رغم كل المعطيات والتدابير والاجراءات والارقام التي تظهر العكس. وفي حين ان غالبية الاميركيين في لبنان راضية عن طريقة التعاطي لمواجهة الوباء، تصدر اصوات لبنانية من هنا وهناك تعمل على الانتقاد والتهويل وبث اليأس والقلق في النفوس، بدل المساهمة بايجابية في تصحيح الاخطاء الموجودة، او المساعدة على تخطي المرحلة بأقل قدر ممكن من الخسائر ان من حيث عدد الاصابات او من حيث عدد الوفيات. هذه الاصوات "الشاذة" لا هم لها سوى التحطيم وزيادة الامور سواداً دون اي هدف للاصلاح والتحسين. ليس لبنان من الدول الكبيرة والمتطورة والمتقدمة بالطبع، ولكنه تمكن من اثبات نفسه في هذه المحنة العالمية ووقف للمرة الاولى وقفة متينة في وجه وباء اخضع قوى اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة لمشيئته. لا نزال نحتاج حتماً الى مساعدة اميركا و​روسيا​ و​الصين​ واوروبا و​الدول العربية​ لتخطي ازمات عديدة تعصف بنا، ولكن الثابت انه في مواجهة كورونا، تمكنّا حتى الآن، والحمد لله، من الصمود وتقليل الخسائر الى حدها الادنى، بغض النظر عن الموقف من سياسة الحكومة ورؤيتها الاقتصادية والمالية والسياسية، ومهما كان رأينا بالاحزاب والتيارات السياسية ومسؤوليها، ومع التحفظ على بعض الممارسات الخاطئة لمواطنين لا يهتمون بصحتهم ولا بصحة من يحبون.

انها لحظة تاريخية بالفعل، فضّل فيها مواطنون اميركيون البقاء في لبنان على العودة الى وطنهم الام، ليس من باب قلّة الوفاء والمحبة لوطنهم، بل لانه للمرة الاولى ربما، يقف لبنان شامخاً امام عاصفة عالميّة تضرب الكرة الارضية، وقد يكون هذا الموقف الصادر عن الاميركيين ضربة كفيلة بايقاظ الضمائر لدى المسؤولين وزعماء الاحزاب والتيارات، بأنّ لبنان لا يختلف عن الدول الاخرى، وقادر اذا ما توافرت النوايا بالقول والفعل، على الوصول الى مراتب متقدمة في سلم الدول النامية، فهل من يسمع؟.