صحيح أنّ تفقّد الوزير ​حمد حسن​ لواقع بشري يَندرج أساساً في سياق «المعاينة الصحية» عن قُرب، عقب تمدّد فيروس الكورونا في البلدة الشمالية، الّا انّ ذلك لا يُلغي الرمزية السياسية التي انطوت عليها زيارة وزير قريب من «حزب الله» إلى أحد معاقل «القوات اللبنانية» ومسقط رأس رئيسها وزوجته.

إنطلاقاً من هذه الدلالة الرمزية استحوذَت جولة حمد حسن «البشراوية» على الاهتمام والرصد، إلى درجة انّ البعض اعتبر انّ من الحسنات النادرة للفيروس «الشرير» هو أنه صنع مشهداً داخلياً غير مألوف، يمكن اختصاره بالمعادلة الآتية: «حزب الله في بشري»، لكنّ الواقعية وسلامة البحث تقتضيان عدم المبالغة في التفسيرات و»الإفراط» في الاستنتاجات، ذلك أنّ ما جمعَ بين «القوات» و»الحزب» على أرض بشري لا يتعدّى حتى الآن حدود «لحظة إنسانية» فرضَتها مقتضيات المعركة المشتركة ضد كورونا، والتي تخاض خارج ساحة النزاع السياسي والانقسام المستمر حول خيارات استراتيجية، إنما هذه الحقيقة لا يجب أن تقلّل، في رأي النائب ​ستريدا جعجع​، من شأن مبادرة الوزير حسن وتَلقّف «القوات» لها.

يوم الاثنين الماضي تلقّت زوجة رئيس حزب «القوات» اتصالاً هاتفياً من حسن الذي أبلغ اليها انه «عِتلان الهَم» نتيجة انتشار وباء كورونا في بشري، وانه يقترح عزل البلدة من دون اعلان رسمي، مراعاة لمشاعر أهلها واحتراماً لهم، فأجابته بالقول: «ما تجده مناسباً نمشي به، لا مشكلة لدينا، أنت على الأرض وأدرى بما يجب القيام به». وقبل ان تنتهي المكالمة، استفسرت ستريدا من حسن عن آليّة التواصل معه، فأكّد لها انه عالسمع دائماً وهاتفه مفتوح 24 على 24، ويمكنها الاتصال به عندما تشاء، كما أبلغ إليها انّ بالامكان التنسيق في التفاصيل والإجراءات مع مدير مكتبه حسن عمار.

وبينما كان حسن يشق طريقه إلى بشري، امس الاول، تلقى اتصالاً من النائب جعجع التي اعتذرت عن اضطرارها إلى الغياب، وقالت له: «للأسف لن أتمكن من الحضور شخصياً، واذا بتحِبّ تطلَع على بشري مرة أخرى بعد الانتهاء من أزمة كورونا فأهلاً وسهلاً بك».

في هذا الوقت، كانت ستريدا قد طلبت من عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب جوزف إسحق ورئيس مجلس ادارة ​المستشفى الحكومي​ في بشري الدكتور انطوان جعجع، ان يتوجّها فوراً إلى البلدة للمشاركة في استقبال حسن ومواكبته في جولته الميدانية.

ونحو العاشرة مساء، عاوَدت جعجع الاتصال بحسن لشكره على زيارته وتهنئته على مبادرته حيال بشري و​زغرتا​، وسألته عن رأيه في وضع بشري بعد معاينته المباشرة، فشرح لها بأنّ ما تفعله الجهات المختصة في البلدة ممتاز، وأن لا لزوم حالياً للعزل التام، ما دام الاهالي يتقيّدون بنسبة 99 في المئة ب​الحجر المنزلي​ الطوعي.

وتقول النائب ستريدا جعجع لـ»الجمهورية»، انها تحيّي الوزير حمد حسن على زيارته الى بشري وزغرتا، «حيث أنّ انتماءَه السياسي القريب من «حزب الله» لم يَحل دون أن يؤدي دوره على أفضل ما يكون، وأن يعمل لكل اللبنانيين بشكل مُتساوٍ. ونحن لا يسعنا، على الرغم من الاختلاف السياسي بيننا، الّا ان نشهد للحق وننَوّه بجهد الوزير في مواجهة كورونا، لأن ليست لدينا عقدة في أن نشيد بأيّ تصرف إيجابي، حتى لو كان صادراً عن خصم سياسي لنا».

وتضيف: «لقد تعاطينا بكل مسؤولية ولياقة مع وزير الصحة، لأنّ من واجبنا ان نسهّل أمره، أيّاً كانت هويته السياسية، انطلاقاً من كوننا ضَنينين وحريصين على المصلحة العامة وسلامة بشري وقضائها، ونحن اعتمدنا الشفافية والصدق في الإفصاح عن عدد المصابين ب​فيروس كورونا​ من دون خجل، لأنّ العيب ليس في الإصابة بالمرض وإنما في إخفائها».

ورداً على سؤال حول سبب التحوّل في الموقف من انتقاد حسن في بداية أزمة كورونا إلى الثناء عليه الآن، توضح جعجع انّها شخصياً لم تنتقد وزير الصحة، «مع احترامي لكل الذين انتقدوه في البداية، وبالتالي فأنا معنية حصراً بموقفي كنائب عن المنطقة التي أمثّلها».

وعندما تُسأل جعجع عن الاعتبارات التي تكمن خلف عدم مشاركتها في استقبال حسن في بشري، تجيب: «ما حصل هو أنني عرفتُ متأخرة بأنّ وزير الصحة في طريقه نحو بشري، وبالتالي لم يكن بمقدوري ان أصل إلى هناك في الوقت المناسب لأنني كنت موجودة آنذاك في ​معراب​ والمسافة طويلة بين المنطقتين، فاتصلتُ على الفور بالنائب جوزف إسحق الذي كان حينها في ​قضاء بشري​، وأقرب منّي إلى المكان، وتمنّيتُ عليه أن يكون في طليعة مستقبلي الوزير. كذلك اتصلتُ برئيس مجلس إدارة المستشفى الحكومي في بشري الدكتور انطوان جعجع، الذي كان متواجداً خارج البلدة، وقلت له انّ عليه أن يترك كل شيء فوراً ويذهب على عجل إلى بشري لملاقاة حسن».

وعمّن كانت تقصد عندما هاجمت في بيانها الاخير «خصومنا السياسيين الذين يُقدمون على تحوير الوقائع، فقط لمحاولة النيل منّا»؟ تلفت جعجع إلى أنّ كلامها كان موجّهاً الى «إحدى الصحف التي وضعت على صفحتها الأولى عنواناً مسيئاً»، مشدّدة على أنّه من المعيب ان يجري تسييس الصحة والمرض في لحظة تتطلّب أعلى درجات الشعور الإنساني والتحَسس بالمسؤولية، «لأنّ كورونا عابر للجغرافيا الطبيعية والسياسية، وهو لا يميّز على سبيل المثال بين بشري و​الضاحية الجنوبية​، وكما انّ هذا الوباء لا يتوقف عند حدود في تَمدّده، علينا نحن أيضاً ان نتجاوز انقساماتنا وخلافاتنا في مواجهته».

وتوضح، انه تبيّن بعد الجولة الميدانية لحسن أن لا حاجة لعزل بشري كليّاً عن محيطها، بل انّ الحَجر المنزلي شبه التام الذي يطبّقه الاهالي طوعاً يكفي في الوقت الحاضر، مؤكّدة انّ الوضع تحت السيطرة «وليس صحيحاً ان كورونا أصبح يُعشّش في بشري».

وتشدّد جعجع على أنّ بشري اختارت منذ اللحظة الأولى مسار الوعي والعلم في مواجهة كورونا، معتمدة على الشفافية والمتابعة والدقة، «وهي وضعت نفسها تحت مجهر الأرقام والحقيقة ولم تدفن حالاتها في رمال التابو».

ولا يغيب عن جعجع أن تتوجّه بالشكر إلى رئيس مجلس إدارة مستشفى بشري الحكومي ومديرها ورئيس البلدية والطاقم الطبي وعموم الاهالي على الجهود التي يبذلونها، كلّ من موقعه، لمحاصرة الفيروس والتغلب عليه، آملة في أن تتمكن البلدة قريباً من تجاوز هذا الاختبار واستعادة كامل عافيتها.