أكّد راعي أبرشية ​طرابلس​ المارونية المطران ​جورج بو جودة​، خلال ترؤّسه هرتبة ​سجدة الصليب​، في ​كنيسة مار مارون​ في طرابلس، أنّه "ليس من حبّ أعظم من حبّ من يبذل نفسه في سبيل أحبائه"، كلمات ​المسيح​ هذه تحدّد الهدف الّذي من أجله صار إنسانًا وسكن بيننا، ولم يعد مساواته لله غنيمة بل تواضع حتّى الموت، والموت على الصليب".

ولفت إلى "أنّنا نجتمع اليوم في الكنائس بأعداد كبيرة لا نرى مثلها في أي يوم آخر من السنة، كي نشارك في الشهادة على موت المسيح ودفنه، الحزن والأسى يبدوان على جميع الوجوه والدموع تترقرق على وجوه كثيرة. كيف لا ونحن نشارك في مأتم شاب ما زال في مقتبل العمر، لم يتخطَّ الثالثة والثلاثين من عمره. نضعه في القبر وأمام والدته الثكلى وعدد من النساء اللواتي يتقبّلن التعازي، ونعود إلى روتينيّة حياتنا اليوميّة، وكأنّ شيئًا لم يحصل".

وركّز المطران بو جوده على أنّ "موت المسيح على الصليب هو علامة حبّ لامتناهية ولا حدود لها. موت المسيح على الصليب جاء كفارة عن خطايانا لأنّه عبد الله وخادمه الّذي كرّس له أشعيا النبي أربعة أناشيد في نبوءته حوالى الثمانمئة سنة قبل ولادته على الأرض". وأشار إلى أنّ "بموته، أراد المسيح أن يعيد إلينا الحياة، ذلك هو التناقض المسيحي الّذي بنى عليه يسوع كلّ تعاليمه إذ أراد أن يبرهن للإنسان أنّه بتكبّره وتعجرفه وإدعائه أنّه بمخالفته لله وبالثورة ضدّه يستطيع تحقيق ذاته فيصير إلها لذاته، قد حكم على نفسه بالموت. والمسيح وحده، الّذي وطئ الموت بالموت هو القادر أن يهب الحياة للّذين في القبور، لأنّه هو الحياة، ومن آمن به فسيحيا".

وأوضح أنّ "المسيح قد برهن عن قدرته هذه أوّلًا بإعادة الحياة إلى عدد من الموتى، كإبن أرملة نائين، وإبنة قائد المائة وصديقه لعازر، من ثمّ أخيرًا بقيامته هو بنفسه وبقدرته الذاتيّة. بقيامته حول المسيح معنى الموت وأعطاه معنى آخر. فلم يعد ذلك الأمر المرعب والمخيف وعودة إلى العدم، بل أصبح مرحلة إنتقاليّة في حياة ​الإنسان​، لأنّ هذا الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله وقد نفخ الله فيه روحه عندما خلقه"، منوّهًا إلى أنّه "كما أنّ الله كائن أزلي لا بداية له ولا نهاية، فقد جعل الإنسان على مثاله، لا نهاية له بل هو مدعو للعيش الدائم معه في الملكوت".

وأكّد "أنّنا بإحتفالنا اليوم بذكرى موت المسيح على الصليب، مدعوّون لتجديد إيماننا به كفاد ومخلّص، ولتجديد إيماننا بأنّنا مهما عانينا على الأرض من عذاب وآلام وموت فإنّنا مدعوّون كذلك للإنتصار معه على الموت"، داعيًا إلى أن "نرفع الصلوات اليوم نحوه، طالبين منه أن يجعل من الآلام الّتي نعاني منها آلامًا تطهيريّة، وأن يلهم المسؤولين في بلادنا كي يتشبّهوا بسمعان القيرواني الّذي ساعد المسيح على حمل صليبه، وبالقديسة فيرونيكا وبالنساء القديسات اللواتي رافقنه حتّى الصليب، ومَسَحن وجهه القاطر دمائًا، وألّا يتشبّهوا برؤساء الكهنة والفريسيّين الّذين كانوا يدّعون الدفاع عن الأمة، بينما كانوا في الحقيقة هم الّذين باعوها للمستعمر الأجنبي، من خلال طلبهم إلى الوالي الروماني بلاطس البنطي، بأن يحكم على المسيح بالموت، وقد تبرأ هذا الأخير من هذه المسؤوليّة وغسل يديه؛ وقال أنا بريء من دم هذا الصديق".

كما تساءل بو جوده: "هل يحقّ لنا نحن مسؤولين أم مواطنين عاديّين أن نغسل أيدينا من دم ​لبنان​؟ فليجعل الرب من آلامنا آلامًا تطهيريّة وتقديسيّة، كي تستطيع الإنتصار على الموت، فيتغلّب أبناؤها على أنانيّتهم وحبّهم المفرط للذات، والسعي إلى المصالح الشخصيّة على مصلحة الوطن وإخوتهم المواطنين، كي نستطيع جميعًا أن نعيش في بلاد يحلو فيها العيش ويشعر الجميع فيها أنّهم في أمان وسلام، مطمئنين إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، شاهدين أنّ المسيح بعد تحمّله كلّ تلك الآلام ووصوله إلى الموت، عاد وإنتصر عليه وهو وحده القادر أن يُعيد إلينا الحياة لأنّ موته فعل محبّة ولأنّ المحبّة لا تموت".