أَعلنَ الشَّعبُ اليَهوديُّ يَسوعَ مَلِكَهُم لِأقلَّ مِن أُسبوع، لِيعُودُوا فَيَخلَعُوهُ عن العَرشِ ويَصْلِبُوه. فرَشُوا ثِيابَهُم أمَامَهُ ثمَّ عَادُوا فَعَرَّوهُ.

إستقبَلُوهُ استِقبالَ المُلوكِ الأبطالِ لِيعُودُوا فَيُفضِّلوا بَارابَاسَ عَلَيه. رَفعُوا أَمامَهُ سُعُفَ النَّخيلِ تَهليلًا، لِيستَبدِلُوها بِحِرابِ مؤامَرتِهِم ضِدَّهُ تَطعَنُهُ مِن كُلِّ جِهَة.

هَتفُوا لَهُ في البِدايةِ "أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ" ليَحُلَّ مَكانَها فِي النِّهايةِ "اصلِبْهُ، اصلِبْه".

أليسَ هذا مَا نَفعلُهُ نحنُ يَومِيًّا بِإلهنَا؟ فإذا لم يُحَقِّقْ لَنا مَا نُريدُهُ نَلعَنُهُ ونَطعَنُهُ ونَجلِدُه ونَصلِبُه.

نُريدُ إلهًا حَسَبَ مقاييسِنا، لِيُحَقِّقَ لنا مَشاريعَنا. فإنْ حَقَّقَها نُكرِّمْهُ، وإلّا نستَبدِلُه.

ومَع هذا كلِّهِ، سَامَحَنَا الرَّبُّ وما زال وسيبقى.

هُو كان يَعرِفُ تمامًا أنَّ نتيجةَ دُخولِهِ أورَشليمَ هي الصَّلبُ، وقَد أَخبَرَ تَلاميذَهُ سابِقًا بِهذا الأَمرِ بِشَكلٍ واضِحٍ وصَريح.

هُوَ أتى ليُصلَبَ كَمَلِكٍ عَرشُهُ الصَّليب. هَذا العَرشُ الّذي لا يُريدُهُ أحَدٌ، ولا يُزاحِمُ عَلَيهِ أَحَدٌ، لأن لا أَحَدَ يَشتَهِيه.

ولَكِن لَو أَدرَكَ أَحدٌ أن عَلى الصَّليبِ تَتفَجَّرُ قُوَّةُ المَحَبَّةِ، لَسعَى خَلفَهُ، لِأنَّ الصَّليبَ سُلَّمُنا إلى السَّماء. قَاعِدَتُهُ مَغرُوسَةٌ في التُّرابِ، أمّا رأسُهُ فَيَمتَدُّ إلى العُلى. فَالصَّليبُ أيقُونَةٌ قِيامِيَّةٌ لِمَن أَحسَنَ قِراءَتَها، أَمثال القِدِّيس غِريغُوريوسَ النَّزيَنزي (٣٢٩-٣٩٠م): "عِشقي مَصلُوبٌ، عِشقِي قَائِم".

لِيتورجِيًّا، إنتَهَتِ المَرحلَةُ الثَّانيةُ مِن زَمنِ التّريودي، زَمَنِ التَّوبَة، وانتَهى مَعَهَا الصَّومُ الأربَعِينِيّ، ويُفتَرَضُ أن نَكُونَ على استِعدَادٍ تَامٍّ لِدُخُولِ المَرحلَةِ الثَّالِثةِ الّتي تَبدَأُ بِعَشِيَّةِ أَحَدِ الشَّعانين، حَيثُ نَبدأُ بِصَلاةِ عَريسِنَا السَّماوِيّ "الخَتَن".

ولَكِن لِنسأَلْ أنفُسَنا، ونَتَعَرَّى أمَامَ مِرآةِ الإنجِيلِ: إلى أيَّةِ جِهَةٍ سَنَنحازُ؟.

جهَةُ مَن لا يَدُومُ المَسيحُ في قُلوبِهم أَقلَّ مِن أسبُوعٍ، والّذينَ سيَصرُخونَ اصلِبْهُ اصلِبْهُ؟ أَم جهَةُ الّذينَ سيَصرُخُونَ دَائمًا وأبدًا "أوصَنّا" أو "هُوشَعنا" أَي "يا رّبُّ خَلِّص"؟.

هل سَنَفتَحُ قَلبَنا لِلمَلِكِ الآتي، أَم سيَعبُرُ مِن عندنَا مُرورَ الكِرام؟.

الاحتِفَالُ بِالعيدِ هُوَ أن يَدخُلَ صَاحِبُ الكَنيسَةِ إلى قُلوبِنَا، ونَعودَ كالأطفَالِ الرُّضَّعِ بَينَ يَدَيهِ، ونَغتَذِيَ مِنَ اللَّبَنِ الإلهِيّ، ونُحَقِّقَ كَلِمَاتِ "طُروبَارِيّة (ترنيمة) العِيد" في حَياتِنَا، ونَحمِلَ رايَاتِ الغَلَبَةِ على الخَطيئَةِ المَعَشِّشَةِ في أعمَاقِنَا، وعلاماتُ الظَّفَرِ تَكونُ بِأنَّنا أَصبَحْنا خَليقَةً جَديدَةً بِالمَسيح.

في مُحاكَمَةِ يَسوعَ، قالَ بِيلاطُس «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». تُرى مَن هُوَ قَيصرُنا اليَوم؟ مَن هُوَ الّذي نَعبُدُهُ بَدلاً من الرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ مُخلِّصِنا وإلهِنا؟

"اوصنّا"، هَذهِ الصَّرخَةُ إن لَم تَخرُجْ مِن عُمقِ القَلبِ لا مَعنًى لها. وإن لم تُتَرجَمْ حياةً وتوبَةً وتَغييرَ مَسارٍ بِالكُليَّةِ، وإعادةَ بُوصَلَةِ حياتِنا إلى المَسيحِ، تَكونُ فُولكلُورِيَّةً فَقَط لا غير. المَسيحِيَّةُ لَيست كَلِمَاتٍ بل "الكَلِمَةُ" صَارَ جَسَدًا لِيَسكُنَ فِينَا ونَسكُنَ فِيهِ، وَهُنا الجَوهَرُ كُلُّه.

فَقَبلَ أَحَدِ الشَّعانِينَ، أقامَ يَسوعُ لَعازَرَ مِنَ المَوتِ، بَعدَ أن أَنتَنَ أَربَعَةَ أيَّامٍ في القَبر. هَذا يَعني أنْ لا مَوتَ مَعَ المَسيح. وهِيَ دَعوةٌ لَنَا، فمَهمَا أنتَنّا في خَطايانا، إن طَلَبْنَا المُخلِّصَ بصدقٍ سَيأتِي ويَقفَ وجهًا لِوجهٍ مَعَنا، ويناديَنَا بِأسمائنا:"«فلان، هَلُمَّ خَارِجًا!». هَلُمًّ خارجًا من قَبرِ خَطايَانا النَّتِنَة. هَذا ما يَقُولُهُ الرَّبُّ لنا.

فإقامَةُ لَعازَرَ هي مَوتٌ للخَطيئَة، والشَّعانينُ انطلاقُ الحَياةِ الجَدِيدَةِ، لِندخُلَ أُورَشليمَ السَّماوِيَّة. هَذا ما تَعنِيهِ "أُوصَنّا".

فَعِيدُ الشَّعانِينَ مِن كَلِمَةِ "أوصَنّا" العِبرِيّة "هُوشَعنا" وتَعني "يا رَبُّ خَلِّص، والآن"، وَبِهَذا الخَلاصِ الإلَهِيِّ نُحَقِّقُ مَعنى الفِصحِ الّذي هُوَ العُبور.