رغم الإنشغال الرسمي والشعبي بفايروس ​كورونا​، لكن غرق ال​لبنان​يين بتفاصيله من دون المضي في علاج مالي مطلوب، سيزيد من حجم الأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان. إستطاعت الحكومة أن تخرج من مساحة التفرغ الكامل لمكافحة الفايروس، إلى وجوب السعي لإيجاد حلول مالية تُجنّب البلد مزيداً من الإرباكات المعيشية الإقتصادية، وبالتالي السياسية.

لم تقدّم ​الحكومة اللبنانية​ خطة، ولا مشروعاً متكاملاً، بل مجموعة أفكار قابلة للنقاش قبل إرسال الطرح الى ​مجلس النواب​. يعرف الوزراء أن ليس بمقدورهم فرض أي رؤية مالية من دون موافقة القوى السياسية التي تستطيع إسقاط المشروع عبر التصويت عليه. لأجل ذلك، كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري واضحاً بوضعه ودائع المواطنين في ​المصارف​ بمرتبة القداسة. وهو أمر يشير إلى أن بري لن يقبل بمشروع مالي على حساب ​الشعب اللبناني​.

واذا كان رئيس الحكومة حسّان دياب جزم بألاّ مسّ بودائع 90% من المودعين، فإن هناك من يسأل: ماذا عن العشرة الباقين؟ وهو سؤال يستحضره نواب في نقاشاتهم اليومية. وبحسب المعلومات فإن عددا من النواب الذين هم أعضاء في ​لجنة المال والموازنة​ النيابية بدأوا البحث بإجتماعاتهم الخاصة عبر تقنية التحدث "أون لاين" عن تداعيات وتأثيرات أي مشروع حكومي مطروح من ضمن الأفكار المقدّمة. ويبدو حتى الآن ان اللجنة لن توافق على اي طرح قبل تبيان مخاطره وحسناته. لذا، تبيّن في جلسة خاصة عقدت الكترونيا في الساعات الماضية أنّ "الحلاقة التي ستطال 10% من المودعين، او الذين يضعون أكثر من مئة الف دولار في حساباتهم، هي ستضرب دورة ​الإقتصاد اللبناني​، وستطيح بأصحاب الشركات والمؤسسات، مما سيؤثر سلباً على قطاعات صناعية وتجارية وزراعية، يجب ان تشكّل قواعد إنطلاق لترميم بنية الإقتصاد اللبناني".

من قال ان من يملك مئة او مئتي او ثلاثة مئة الاف دولار هو ثري؟ فلنفترض أن هناك من باع بيته او أرضه ليعلم أولاده من خلال تلك الأموال التي وضعها في المصرف. ولنفترض ان هناك من يريد ان يفتح مؤسسة تشغّل العاطلين عن العمل. ولنفترض ان هناك من يعيش من هذه الأموال جراء تقاعده. كثيرة هي الافتراضات التي تلتقي على جامعين: تحقق الحلاقة مخزوناً مالياَ للدولة، لكنها ستضرب الإقتصاد.

يبدأ المعنيون بجزم واقعة أن ​المصرف المركزي​ الذي كان مفترضاً به أن يكون أميناً على مال المودعين في المصارف، كان المحفّز لتلك المصارف على اعطاء الدولة قروضاً لقاء فوائد مالية مغرية. طارت الأموال لحساب الدولة التي غطت العجز او الهدر المالي في قطاعات خاسرة ك​الكهرباء​ التي كانت تحتاج ملياري دولار سنوياً، ودعم العملة الوطنية كي لا تتراجع قيمتها امام العملات الصعبة، اضافة الى رواتب ومتطلبات المصاريف الحكومية.

وينطلق المعنيّون إلى طرح فرضيات أخرى تبتعد عن معادلة "حلاقة الشعر" للمودعين الأساسيين، لتأمين بدائل تقوم على أساس منع "التأميم" بحق الأموال، عبر تقديم أراضٍ بسعر الودائع، وتشريك المودعين بمؤسسات وشركات تملكها الدولة، أو الحصول على حقوق من موجودات الدولة مقابل الودائع.

يوحي تصريح بري بأنه لن يقبل بحلول من دون قبول المودعين، والمودعون لن يقبلوا بإبتلاع ودائعهم من دون مقابل، والمقابل المتوافر هو املاك الدولة الباهظة: اما التخلي عنها لصالح المودعين ضمن أسعار يحددها خبراء، وإمّا تشريك المودعين بمؤسّسات الدولة ضمن أسهم متعارف عليها وفق المعيار المحدّد، وهناك مؤسسات: الخليوي، المطار، المرفأ، الكازينو، ​طيران الشرق الأوسط​ وغيرها.

بدا رئيس المجلس النيابي جازماً بالحفاظ على أموال المودعين، إنقاذا للاقتصاد اللبناني، ومنعاً لهضم حقوق اللبنانيين الذين تعبوا للحصول على جنى العمر. لكن بري لن يفرض رأيه، لأنه يعطي للحكومة فرصتها في القيام بواجبها. اذا أخطأت العلاج، أي اذا اقترحت الحلاقة من دون قبول المودعين، فلن يقبل بري ابداً بقص الشعر لأي مودع مهما كان طول شعره.

لا يظهر ان باب الحكومة مقفل على طرح واحد. هناك طروح بالجملة، لأن الإعتماد على الحلاقة سينسف الحكومة والبلد معاً.