أَخذ بعض وسائِل الإِعلام العالميَّة على الصِّين، أَنَّها "تُضيِّق الخناق على أَبحاثٍ تعود إِلى ​فيروس كورونا​، وبخاصَّةٍ تلك الَّتي تتناول أَصل الفيروس وسبب انتشاره".

وأَضافت المعلومات المُشاعة في هذا الشَّأن، أَنَّ الصِّين تمنع نشر أَيَّ نتيجةٍ توصَّل إِليها علماؤُها، وَفقًا لتقريرٍ نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانيَّة. فقد نشرت الصَّحيفة وثائِق قالت إِنَّها تُثبت قيام كلٍّ من "جامعة فودان" و"جامعة الصِّين لعلوم الأَرض" (في "​ووهان​")، بحذف أَبحاثٍ عن أَصل الفيروس من على موقعهما الإِلكتروني، وكتبوا أَنَّ هذه الأَبحاث عن "كيف نشأَ (الفيروس)، تخضع لمراجعة المسؤولين الحُكوميِّين".

وبحسب البروفيسور ستيف تسانغ، مدير معهد (SOAS) الصِّينيّ في لندن، فإِنَّ الحُكومة الصِّينيَّة ركَّزت في شدَّةٍ، منذ الأَيام الأُولى لظُهور الفيروس على سُبل التَّحكُّم في رواية ظُهور الفيروس". واعتبر أَنَّ "أَيَّ تفصيلٍ عن أَصل الفيروس والأَسابيع الأُولى لتفشِّيه مُفيدةٌ، ويُمكن اعتبارها حسَّاسةً"، وتابع: "إِذا كانت معلومات منع الجامعات الصِّينيَّة من نشر الأَبحاث صحيحةً، فإِنَّ ذلك يُشير إِلى أَنَّ الحُكومة الصِّينيَّة تريد حقًّا التَّحكُّم في رواية أَصل الفيروس".

وعلى رُغم أَنَّ غالبيَّة التَّوقُّعات، تشير إِلى أَنَّ الفيروس انتقل من الخفافيش إِلى الإِنسان في "سوق ووهان للحيوانات البريَّة"، إِلاَّ أَنَّ الكثير من التَّقارير الصِّينيَّة يُشير إِلى احتمال أَنْ يكون الفيروس قد تسرَّب من أَحد معامل "ووهان".

كما وأَنَّ أَنباء كانت تحدَّثت عن فرضيَّة أَنْ تكون الولايات المُتَّحدة الأَميركيَّة، قد نقلت الفيروس عبر ​الحيوانات​ المُصدَّرة إِلى الصِّين، ولكن ما لبث عن كفَّ الحديث عن هذه الفرضيَّة ليكبُر هامش الأَسئلة والإِبهام أَكثر...

وفي مُطلق الأَحوال، فإِنَّ ما هو مُؤكَّد، أَنَّ السَّبب في انتشار الوباء يعود إِلى الإِنسان، أَسواء كان خطأً بشريًّا أَم عملاً مقصودًا، أَم نتيجة عدم التَّعاطي في شكلٍ سليمٍ، مع ​البيئة​، ما يرتدُّ سلبًا على الإِنسان نفسه!. وقد صدق من قال: "إِنَّ الحياة ما بعد كورونا، لن تكون كالحياة السَّابقة لانتشار الوباء"…

لقد بات النَّاس بالكمَّامة يتواجهون، وبمسافةٍ تبلغ في حدِّها الأَدنى مترين اثنين. وصاروا لا يتصافحون حتَّى وهُم يضعون القفَّازات اللاصقة على أَيديهم. وأَضحَوا لا يُدخلون أَحذيتهم إِلى المنازل مخافة أَن تكون قد عشقت "الفيروس اللَّعوب"، فاصطحبته معها إِلى المنزل. حتَّى أَنَّ الحذاء "المسكين"، حامل ثقل البشر دومًا، ومن دون تأَفُّفٍ… لا يحظى بثقتهم، فيبقونه خارج المنزل!…

ومَن يدري، فلرُبَّما يُفرط البشر في "الحيطة والحذر" وفي أُصول الوقاية، إِلى أَنْ "يأْخُذوا كسرةً"، فيستمرُّون على هذا المنوال في التَّصرُّف الاجتماعيّ، إِلى ما بعد وضع نهايةٍ لانتشار "فيروس كورونا المُستجدّ"؟…

كورونا والفصح

ولكن على الرُّغم من كُلِّ ذلك… فقد عشنا، هذه السَّنة، من حجرنا المنزليّ، أَعمق معاني العيد!. وكانت معاني "الفصح المجيد"، كما وكلِّ الأَعياد الدِّينيَّة، تضيع في متاهات البهارج الخارجيَّة المُصطنعة في مجتمعاتنا، ونكاد ننسى مثلاً صاحب العيد، فيغيب عنَّا مثلاً – في "الفصح المجيد" – أَنَّ "يسوع هو العيد"!… بيد أَنَّ ظروف "الحجر المنزليّ" أَتاحت إِمكان التَّأَمُّل في معاني العيد، وفي أَبعاده الإنسانيَّة كما والرُّوحيَّة… ومن منازلنا حيث بُتنا "حُبساء"، رحنا نُلامس بأَيدينا الكُتب المُقدَّسة، ونتشارك الصَّلاة في منازل غدت مكانًا للتَّعبُّد للإِله الواحد الضَّابط الكلِّ، وقد آمنَّا به قاهرًا للموت، وهادمًا للهيكل القديم وبانيه في "العهد الجديد" بثلاثة أَيَّامٍ فقط… كما ونُؤمن به قائمًا من بين الأَموات، وواطئًا الموت بالموت، وواهبًا الحياة للَّذين في القُبور!.

طُقوس كورونيَّة للمُعايدة

غير أَنَّ كُلَّ "طُقوس المعايدة المحدثة" في زمن الكورونا هذا، يهون، إِذا ما تبصَّرنا، أَنَّ على الإِنسان أَن يخشى ما يقتل الرُّوح أَكثر من خشيته ما يقتل الجسد!. وقد يكون انتشار وباء كورونا، قد اضطُرَّنا إِلى "كبح" غرائزنا وشهواتنا الدُّنيويَّة المُميتة. فالوباء إِنْ تمكَّن من أَجسادنا، غير أَنَّه لن يكون السَّبب في هلاكنا وصولاً إِلى جُهنَّمٍ، بينما قد تكون خطايانا وذُنوبنا بمثابة بطاقة عبورٍ إِلى الهلاك الأَبديِّ –لا سمح الله– و"هُناك يكون البُكاء وصريف الأَسنان"...

كما وأَنَّ المؤمن المُلتزم تسهل عليه مواجهة "كورونا" لا بل والانتصار على الوباء!. إِنَّ كُلَّ الأَمر يتطلَّب العناية بالنَّظافة الشَّخصيَّة (غسل اليدَين)، والبقاء جسديًّا على مسافةٍ من الشَّخص الآخر، واتِّباع إِجراءات الوقاية الأُخرى كالحجر المنزليّ في حال الضَّرورة إِلى ذلك… على خلاف داء السَّرطان مثلاً، والَّذي لا يمكن تجنُّب التَّعرُّض له.

ولطالما كان الماء رمزًا دينيًّا لطهارة الجسد والرُّوح على حدٍّ سواء، وكانت الغريزة الجسديَّة مجالاً لهلاك الرُّوح، ولطالما كان المطلوب من الإِنسان أَنْ يكون حكيمًا كالأَفعى، وقد كان قدّيس كفيفان يُردِّد: "الشَّاطر هو اللي بيعرف يخلِّص نفسو"!.

إلى ذلك، فقد عشنا في لبنان، هذه السُّنة، كما وفي كلِّ أَماكن تواجد المسيحيِّين، وعبر "الحجر المنزليّ"، أَعمق معاني عيد "الفصح المجيد". فاجتمعت العائلة للتّعبير الإِيمانيّ، وازدادت وتيرة الصَّلاة عبر شاشات التَّلفزة... وبوحي من مُقتضيات الفيروس المُستَحدث، استُحدثت أَساليب وطرائق جديدة للصَّلاة، من خلال النَّقل المُباشر عبر وسيلة التَّواصل الاجتماعيّ "فيسبوك"، وبات في الإِمكان أن نُحصي، عبر الشَّاشة، عدد المؤمنين الَّذين يشاركونك من منازلهم صلاة العيد… وذلك لا يمكنُنا معرفته بالضَّبط، حتَّى ولو كُنّا شخصيًّا داخل الكنيسة!. إِنَّني أَعلم أَنَّ ما أقوله قد لا يكون معلومةً بالغة الأَهميَّة، غير أَنَّ الأهمّ، هو أَهميَّة عمل وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ في أوقات المِحَن وانتشار الأوبئة وحالات الطَّوارئ…

وفي الانتقال من المنظار الرُّوحيِّ إِلى المنظار الواقعيِّ، لا بُدَّ من الانحناء أَمام دُموع قداسة ​البابا فرنسيس​ في قُدَّاس ​عيد الفصح​ المجيد في كاتدرائيَّة القدّيس بطرس في ​الفاتيكان​، حُزنًا على ضحايا كورونا في كُلِّ العالم. فمع تسجيلنا الأَسف والأَسى لضحايا الفيروس من حول العالم... لا يسعُنا إِلاَّ أن نُذكِّر بأَنَّ سبب ما يلحق بنا من مصائب وأَوبئة، إِنَّما هو من وقائعنا، وهُنا عودةٌ إلى إثنين الرَّماد، لنتذكَّر مُجدَّدًا أَنَّنا تُراب وإِلى التُّراب نعود، ومِن هذا المُنطَلق تُبنى تصرُّفاتنا!.