بقدر ما نهلل وندعم ونساند ​الحكومة اللبنانية​ في مسعاها المتواصل للحدّ من تفشي وباء ​كورونا​ الكارثي، وبقدر ما تغمرنا الراحة-رغم الاسى على الارواح التي فقدناها جراء هذا الوباء- لبقاء عدد الاصابات ضمن حدود المعقول والمقبول، لا يبدو ان البعض من الرسميين يكتفي بهذا الامر، فهو يرغب بأي ثمن ان يكسب النقاط والشعبية في وقت أحوج ما نكون فيه الى العمل البنّاء والجاد لتخطي مرحلة هي الاصعب في تاريخ البشرية ككل، وليس فقط في ​تاريخ لبنان​.

ومع الاحترام والتقدير للجميع، الا يجد عدد من المسؤولين انه من المبكر بعد الخروج الى العلن بكلام يهدف الى ​تحقيق​ نقاط ومكاسب شعبية؟ هل ينفع اكثر الكلام عن ​محاضر ضبط​ من هنا واخرى من هناك، وعن البدء بعمل منصات مشتركة لا قدرة بعد على تحقيقها بشكل واقعي، وعن "قطف" مواقف حول اموال الناس في المصارف فيما الحفاظ عليها واعادتها الى اصحابها هو من واجب جميع المسؤولين وفي مقدمهم حاكم ​مصرف لبنان​ وكل ​المصارف اللبنانية​؟.

في غضون ذلك، تعلو الصرخات والتحذيرات المنادية بايصال المستحقات للمستشفيات التي باتت تهدد بالاغلاق، حتى ان اتحاد ​المستشفيات​ العربية تطرق الى هذه النقطة، علماً ان الحكومة اعطت اولوية الاولويات للصحة ولمكافحة وباء كورونا، والمستشفيات تعتبر من هذه الاولويات، وقد اثبتت ​المستشفيات الحكومية​ قدرتها عند الحاجة، على التكيّف مع الاوضاع الصعبة التي فرضها الوباء، فيما المستشفيات الخاصة-بالرغم من العديد من الملاحظات حولها- انها تعاني للاستمرار في عملها. ويجب بالفعل، تحويل الانظار في هذه الفترة اليها ومساعدتها، انطلاقاً من مبدأ التركيز على مصيبة كورونا وتداعياتها.

الامر نفسه ينطبق على ​البلديات​ التي يعتريها الكثير من المشاكل وتصلح الانتقادات في الكثير منها حول ادائها، انما الاولوية اليوم هي لتفعيل هذا الأداء قدر الامكان وبشكل واقعي وعبر اجراءات ملموسة لا تحتاج الى امكانات مادية وبشرية كبيرة لا قدرة اليوم على تأمينها، ليتولى ​الجيش اللبناني​، كالعادة، مهمة تغطية النقص ان في اداء البلديات او في اداء المؤسسات والجمعيات الاجتماعية التابعة للدولة، فتلقى عليه هموم اضافية، ويقبل القيام بها بصمته المعهود وكفاءته الثابتة، فيما يمكنه بكل بساطة ابعاد هذه الامور المريرة عنه، لانها ستضعه ايضاً في مواجهة مع الطبقة الشعبيّة، ليتحمل هو مشكلة لا علاقة له فيها لا من قريب ولا من بعيد.

وهل من عاقل يقتنع بأن السياسة لم تدخل من بابها الواسع في قضيّة المصارف واموال المودعين؟ وهل فعلاً لم يعد بالامكان سوى "توسّل" البنوك تسهيل اجراءات تحويلاموال المودعين الى ابنائهم في الخارج ليتمكنوا من الاستمرار في تأمين عيشهم الكريم، علماً ان الاموال تعود الى اهلهم وهي حق مكتسب لهم، فيما تمنّن المصارف ومصرف لبنان بأنّ همهم الاول والاخير هو المحافظة على هذه الاموال، وان المبالغ القليلة جداً التي "يفرجون" عنها الى الخارج للطلاب اللبنانيين، هي "انجاز" كبير!.

لم يعد من المهم تسجيل النقاط في ظلّ خطر خسارة البلد والمواطن، ولم تعد الاولوية هي كسب شعبية قليلة والظهور في ​وسائل الاعلام​ بمظهر المنقذ والصالح. هي كلها امور مهمّة ومن حقّ كل شخص ان يقوم بها، ولكن التوقيت خاطئ جداً، فليتّعظ الجميع مما حصل لكبارالمسؤولين والزعماء في الدول العربيّة والاجنبيّة، وكيف تحولوا الى العمل المنتج والمكثف لتخطي الازمة، وهذا هو سر النجاح الذي سيحقّق فيما بعد النقاط والشعبيّة، والا عبثاً سيبقى هؤلاء يحاولون ايصال الرسائل التي ستضيع في صدى صوت كورونا الصادح.