ليس سراً ان رئيس ​الحكومة​ ​حسان دياب​ يواجه منذ وصوله الى السراي الكبير، مشاكل عديدة للتأقلم مع الواقع اللبناني من جهة، ومع انقسام اللبنانيين حوله من جهة ثانية بفعل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية (اخيراً)، وفي معارك سياسية متتالية اخذت بعض الوقت القسري للراحة بسبب تفشي وباء كورونا.

وبعد غياب قصير عن الساحة، عادت الحزازيات السياسية بشكل ضخم لتظهر من جديد، ولعل الابرز في هذا السياق كان الاختلاف الكبير في الرأي الصيداوي حول الزيارة التي كان يزمع دياب القيام بها الى ​المستشفى التركي​ في المدينة، ما ادى الى تأجيلها "بسبب خلافات في المدينة حول المدعوين" وفق البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة. في الشكل، بدت المسألة "بروتوكولية" فقط، انما في المضمون هناك حديث آخر، اذ ان دياب يزور صيدا بصفته رئيساً للحكومة وليس بصفة شخصية، والعودة الى سياسة "الكانتونات" في المناطق امر غير محبّذ وخطير، ويوحي بأن "ثورة 17 تشرين الأوّل" قد فشلت في ​تحقيق​ ابسط مطالبها وهي توحد اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية والمناطقية. ولو كانت صيدا منطقة تسكنها اغلبية درزيّة او مسيحيّة او اسلاميّة شيعيّة، هل كانت الامور لتقف عند هذا الحد، ام كانت اخذت منحى آخر؟ على اي حال، بدا وكأن الامور اخذت طابع "تصفية الحسابات" في المدينة، فالدعوة تم توجيهها من ​فؤاد السنيورة​ الذي لم يعد لديه ايّ صفة سوى انتمائه الى "نادي رؤساء الحكومة السابقين"، وفد يكون صحيحاً انّ الدعوة التي وجهها لا تمثل المدينة، ولكن هذا لا يعني ان ايّ مسؤول لبناني او حتى مواطن لبناني، يحتاج الى دعوة لزيارة منطقة او مدنية او قرية لبنانية، لانّ المفهوم العام لتوجيه الدعوات ينطلق من قاعدة بروتوكولية بين بلد وآخر، وليس بين منطقة واخرى، فهل بتنا نحتاج الى "تأشيرة دخول" للقيام بالزيارات؟.

تصفية الحسابات الداخلية هذه اوقعت دياب في حفرة صيدا، وسط اعتماد سياسة "النأي بالنفس" من المسؤولين الرسميين وزعماء ورؤساء التيارات والاحزاب السياسية، وقد نشط الكثيرون للاستفادة من الفرصة للانقضاض على رئيس الحكومة لاسباب مختلفة، واللافت ان "​تيار المستقبل​" وهو المعني الاساسي في الموضوع، بقي "غائباً عن السمع" ما تمّ تفسيره على انه عدم موافقة من التيار على خطوة السنيورة، واعتبارها "طعنة" لرئيس التيار ​سعد الحريري​ لانّها قد تضفي غطاء سنياً اضافياً لدياب في وسط المعركة القائمة مع الحريري والعديد من الشخصيات السنية المعارضة للحكومة ورئيسها. ولم تؤدّ عودة الحريري الى ​بيروت​ الى تنقية الصورة، بل زادت غموضاً، مع الاستمرار في التركيز على "فشل الحكومة" في التعاطي مع ​الوضع الاقتصادي​ والمالي، وهو على ما يبدو، الموضوع الذي سيتّخذه اركان المعارضة كنقطة الضعف الابرز في جسم الحكومة للنيل من مصداقيتها وجذبها الى تحت ​الضوء​ بعيداً عن حركتها الناشطة في موضوع ​الكورونا​. وبغض النظر عن وجود خلافات داخل تيار المستقبل ام لا، فإنّ المؤكد هو انّ دياب وقع في حفرة صيدا، وعليه ان يعمل للخروج منها والعودة الى ساحة المعركة لكسب النقاط، وهو يعوّل على سلاح مواجهة الحكومة للوباء الصحي من اجل ذلك، غير ان عليه الانتباه الى مسألة وجوب تعزيز صورة الحكومة على الخطّ الاقتصادي، لانّ عكس ذلك يعني عدم نجاح سياسة "تكبير الحجر" التي استعملها عند التطرق الى موضوع ​التعيينات​ والمشاكل التي اثارها وهدّدت الحكومة، كما لن تنفع ايضاً سياسة تقمّص شخصيّة رئيس الحكومة السابق ​سليم الحص​ (من خلال الزيارة التي قام بها مؤخّراً)، لان الوقت سيكون عندها للاعمال وليس للنوايا، وهو الكفيل في بناء سدّ متين في وجه المعارضة يجبرها على اعادة حساباتها والتفتيش عن مواضيع اخرى لاطلاق النار على الحكومة من خلالها.