لن تكتمل الشُّروط الاجتماعيَّة والعمليَّة الَّتي ستفرضها مرحلة ما بعد انتشار وباء "كورونا المُستجدّ"، من دون إِحياء النَّدوات (Seminaires) في مُختلف المجالات: الشَّركات، المُؤَسَّسات، ​المصانع​، المتاجر، ​المصارف​... وصولاً إِلى الجمعيَّات على اختلافها، وإِلى العائلات أَيضًا، وهي أَصغر خليَّةٍ اجتماعيَّةٍ عبر التَّاريخ!. ولا عجب إِنْ دخل اختصاص تنظيم النَّدوات من الباب العريض لطلبات التَّوظيف!.

والنَّدوة تحديدًا، هي "حلقة نقاشٍ بين عددٍ من المُتخصِّصين في موضوعٍ مُحدَّدٍ". وهي تتكوَّن من: موضوعٍ، ومُتحاورين، ومديرٍ للنَّدوة، وجمهورٍ".

وإِذا كان الموضوع مُحدَّدًا جدًّا، وعنَيْنا به "حقبة ما بعد كورونا" وبالتَّالي هي خُلاصات أَجبرنا عليها "الوباء المُستجدّ"، غير أَنَّ مروحة المُتحاورين لن تثتثني قطاعًا، أَكان في مجال الأَعمال أَو الصِّناعة أَو التِّجارة، وحتَّى الشُّؤُون التَّربويَّة والثَّقافيَّة والفكريَّة، إِذ إِنَّ تفشِّي "الفيروس" اللَّعين دوليًّا، انسحب على كلِّ قطاعات ​الحياة​، ولم يستثنٍ أَيًّا منها، علمًا أَنَّ النَّدوات، عادةً ما كانت تُعقد في ​الجامعات​ والمُؤَسَّسات التَّعليميَّة.

وكذلك، يتمُّ اختيار الموضوعات الحيويَّة والمُهمَّة لمُناقشتها، وبالتَّالي فأَيُّ موضوعٍ آنيٍّ يجرؤ اليوم على منافسة "​الكورونا​"، شاغلة النَّاس، لا بل ومصدر هلعهم!.

وعليه، يُفترض اختيار المُتحاورين الأَكثر عُمقًا وتخصُّصًا لإِثراء موضوع النَّدوة... ولذا فقد يعمد بعض المُؤسَّسات المعنيَّة، إِلى إِعادة النَّظر في مهام أَقسام العلاقات العامَّة والتَّسويق لديها، لناحية تنظيم "ورش عملٍ" تتمحور حول إِعداد النَّدوات وشُروط نجاحها...

غير أَنَّ النَّدوات "السِّيميناريَّة" تلك، لن تحمل البشائِر السَّارَّة إِلى المُوظَّفين الكادحين، إِذ إِنَّها قد تحمل في طيَّاتها تقليص عددهم، في وقتٍ يُعاني ​العالم​ بأَسره من تداعيَّاتٍ خطرةٍ بعد "نكبة كورونا" العالميَّة. فكُبريات الشَّركات تزعزعت أَوضاعها، والصِّناعات باتت أَسيرة ​الاقتصاد​ المُتهالك، فيما شظايا الشُّؤم أَصابت الجميع...

ندوات مُنظَّمة الصحَّة

ولا غرابة إِنْ عُقد بعض النَّدوات على عَجَلٍ، وعبر "الإِنترنت"، وفي شكلٍ شبيهٍ مثلاً بسلسلة ندواتٍ لـِ"مُنظَّمة الصحَّة العالميَّة"، كانت عُقدت عبر "الإِنترنت"، للبحث في مُعضلة ​القضاء​ على الاتجار غير المشروع بمنتجات التَّبغ الَّذي اعتُمد منذ نحو سبع سنواتٍ، إذ عُقدت هذه النَّدوات بين أَيَّار ومنتصف حزيران 2013. وكان الهدف حينها: "إِعطاء لمحةٍ عامَّةٍ عن أَهمِّ أَحكام البروتوكول، والإِجراءات المُتعلِّقة بالتَّصديق عليها وبدء نفاذ البروتوكول".

وأَمَّا الجُمهور المُستهدف، فكانوا القيِّمين على نقاط اتِّصال "الاتفاقيَّة الإطاريَّة لمُنظمة الصحَّة العالميَّة في شأْن مُكافحة التَّبغ"، والمُمثِّلين ذوي الصِّلة من دول الأَطراف.

ندوةٌ تربويَّةٌ

ومن النَّدوات التَّربويَّة الحديثة نذكُر استضافة كليَّة التَّربية في "جامعة العُلوم والآداب ال​لبنان​يَّة"، في كانون الثَّاني 2020، الخبير في الدَّمج التَّربويّ الدُّكتور كين رايمر Ken Reimer من جامعة “Winnipeg” في كندا، في ندوةٍ طالبيَّةٍ تركَّز النِّقاش فيها على أَهمِّ التَّحوُّلات في المُمارسات الدَّامجة في كندا والدُّروس المُستفادة للبنان.

وعرض الدُّكتور رايمر للمراحل الانتقاليَّة الَّتي مرَّت بها التَّجربة، من ​المدارس​ الخاصَّة بذوي الاحتياجات الخاصَّة إِلى الدَّمج ضمن الصُّفوف العاديَّة، وما رافقها من تحدِّياتٍ واجهت كلاًّ من المُعلِّمين والمُتعلِّمين.

ندوة حُقوق الإِنسان

وفي المجالات المُرتقبة للنَّدوات، ما له صلة بحقوق الإِنسان والعُنف الأُسريّ، وبخاصَّةٍ بعد كُلِّ الخلافات الأُسريَّة النَّاشبة بفعل "التَّعبئة العامَّة" والمُكوث العائليّ في المنزل لأَيَّامِ طويلةٍ جدًّا...

وفي هذا الإِطار إِشارةٌ إِلى النّدوة الّتي كانت نظّمتها "جمعية شؤون المرأَة اللبنانيَّة" في كانون الثّاني 2012، بعنوان "حقوق الإنسان بين الاحترام والانتهاك"، تزامنًا مع ​عيد الاستقلال​ وعشيَّة "اليوم العالميّ لحُقوق الإِنسان" الَّذي يُصادف في العاشر من كانون الأَوَّل من كُلِّ سنةٍ، وحاضر فيها مُقرِّر لجنة حقوق الإِنسان النِّيابيَّة آنذاك، النَّائب غسَّان مخيبر.

ويبقى أَن نُشير في هذا الإِطار إِلى أَنَّ النَّدوات إِذا ما بقيت حبرًا على ورقٍ، فإِنَّها لا تتعدَّى إِذَّاك نطاق الغاية غير المُحقَّقة والكلام العقيم... فبالإِشارة إِلى النَّدوة الأَخيرة المذكورة، فقد رأَى النَّائب مخيبر أَنَّ "إِصلاح السُّجون هو جزءٌ من العدالة، ويعني جميع اللُّبنانيِّين، لأَنَّ إِبقاء الوضع القائِم... هو وصمة عارٍ على جبين كُلِّ شخصٍ يحمل الجنسيَّة اللُّبنانيَّة"... وما زلنا إِلى يومنا هذا... موشومين بوصمة العار تلك!.

النَّدوات المُرتقبة

وأَمَّا النَّدوات المُرتقبة فعُنوانها في كلِّ المجالات يبقى واحدًا: عصر ما بعد تفشِّي "كورونا". وستُضحي هذه النَّدوات –بعد "كورونا"– ضرورةً فرضتها الجائِحة، وبالتَّالي فلن يُنظر إِليها أَبدًا من زاوية "البريستيج" أَو التَّباهي المُؤَسَّسيِّ-التَّرويجيّ، بل من زاوية إِشباع غريزة البقاء!.