لاذت الأطراف المعارضة، لحكومة الرئيس حسان دياب، بالصمت في ظلّ نجاح الحكومة في امتحان مواجهة خطر وباء كورونا والحدّ منه، واضطر بعض رموز المعارضة، الى توجيه الثناء للحكومة، بعد أن حازت على ارتياح شعبي واسع لجهودها المضنية والكبيرة، في تجنيب لبنان خطر الانزلاق الى كارثة مشابهة لتلك التي أصابت إيطاليا واميركا وإسبانيا، وكان لافتاً حجم الإشادة الشعبية والسياسية التي حاز عليها وزير الصحة حمد حسن، لدوره الريادي المتميّز في قيادة معركة مكافحة كورونا، على الرغم من قلة الإمكانيات الصحية، ووراثته بنى صحية متهلهلة تفتقد للتجهيزات والمستلزمات التي تحتاج إليها للقيام بدورها الإنساني.. الأمر الذي كشف حجم الإهمال المتعمّد لهذا القطاع الصحي الحيوي بالنسبة للبنانيين، من قبل الحكومات المتعاقبة التي انتهجت سياسات نيو ليبرالية، تقوم على إضعاف دور الدولة في الرعاية الصحية والاجتماعية لمصلحة القطاع الخاص… وهذا طبعاً تأكد مدى خطره على أمن الناس الصحي، وهو ما شكل أحد أهمّ الدروس التي أكدتها الحرب في مواجهة كورونا، والتي يجب البناء عليها في سياسات الحكومة إزاء كلّ ما يتعلق من سياسات اقتصادية واجتماعية ليبرالية ثبت فشلها وتسبّبت بالأزمات التي بات يعاني منها لبنان على غير صعيد، وتحتاج إلى علاجات جذرية تضع حداً لهذه السياسات المدمّرة للاقتصاد والمجتمع…

لكن ما أن بدأت الحكومة ورشة التحضير لخطتها المالية الاقتصادية التي وعدت بالإعلان عنها في مدة أقصاها الربع الأول من شهر أيار المقبل، وبدأت تتوارد المعلومات عن تضمّنها إجراءات مالية ستطال ودائع من أثروا من سندات الدين او من صفقات عقدت بالتراضي وأنجزت بعيداً عن أجهزة الرقابة والمحاسبة.. حتى بدأت الأطراف المعارضة السالفة الذكر حملة تهويل وتشويه لخطة الحكومة التي لم تعلن بعد.. عبر القول إنّ الحكومة ستقوم بعملية «هيركات» تطال ودائع اللبنانيين.. لكن إعلان رئيس الحكومة انّ مثل هذا الكلام ليس صحيحاً، وأنّ الإجراءات ستطال فقط ٢ بالمئة من الودائع، بينما ٩٨ من الودائع لن تطالها الإجراءات، ما يعني انّ الأمر محصور بمن يملكون الثروات الكبيرة…

هذا الإعلان قرع جرس الإنذار لدى زعامات المعارضة، الذين تربّعوا على عرش السلطة لنحو عقدين، وتنعّموا بخيراتها واغتنوا منها، فيما كان عامة الناس يزدادون فقراً وعوزاً يوماً بعد يوم.. على انّ الحديث عن تحضيرات لتحركات في الشارع ضدّ الحكومة بالتزامن مع عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وزيارة السفيرة الأميركية في بيروت للنائب السابق وليد جنبلاط.. طرح الأسئلة عن خلفيات وأهداف هذا الاستنفار المترافق مع حملة اعلامية تهويلية ضدّ الحكومة..

أولاً، ارتفاع منسوب القلق لدى الأطراف الأساسية الأساسية في قوى ١٤ آذار، من توجه الحكومة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية بطريقة تمسّ بمصالح هذه الأطراف وشركائها في المصارف، من خلال…

– إجراء «هيركات» على ٢ بالمئة من الودائع من ٥٠٠ ألف دولار وما فوق، وهذا يعني أنها ستطال أصحاب الثروات من الطبقة التي أثرت في زمن سياسات النيوليبرالية بطريقة غير مشروعة، أما عبر الاستفادة من الاكتتاب بسندات الدين ذات الفوائد المرتفعة التي جرى اعتمادها لهذه الغاية، أو من خلال الأرباح الهائلة المحققة من عقود المشاريع بالتراضي، ومشروع شركة سوليدير التي جرى تمكينها من الاستيلاء على أملاك الدولة، وأصحاب الحقوق، وأعفيت من الضرائب..

– تشكيل لجنة خاصة لاستيراد الموال المنهوبة وتلك التي جرى تهريبها إلى الخارج ووضع الأموال المحصّلة من ذلك في صندوق خاص لمعالجة الأزمة.. ومعروف انّ من يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن عمليات الفساد التي ادّت إلى هدر حقوق وأموال الدولة هم من كانوا في السلطة ويتحكّمون بقراراتها المالية والاقتصادية ويهمّشون دور أجهزة الرقابة والمحاسبة..

ثانياً، الخوف من ان يؤدّي نجاح الحكومة في استعادة حقوق وأموال الدولة المنهوبة، وهو احد أهمّ مطالب الناس بعد انتفاضة ١٧ تشرين الأول، بعد النجاح في امتحان مواجهة كورونا، الى تعزيز شعبية الحكومة وترسيخ وجودها وبالتالي جعلها أكثر قدرة وقوة في اتخاذ المزيد من الخطوات والإجراءات التي تمسّ مصالح الطبقة المالية الريعية .. مما يضعف من نفوذ هذه الطبقة التي ينتمي إليها الفريق الأساسي في ١٤ آذار، وبعض الأطراف والفعاليات الأخرى التي استفادت من سياسات النيوليبرالية، وأثرت، خلال المرحلة الماضية، على حساب خزينة الدولة وحياة ومعيشة المواطنين..

ثالثاً، القلق من أن يؤدّي استمرار بقاء هذه الحكومة إلى الانتخابات النيابية المقبلة، الى تكريس واقع جديد يحدث تحوّلاً في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، يعيد الاعتبار للاقتصاد الإنتاجي ودور الدولة الاجتماعي والصحي، مما يقود إلى توليد وتعزيز قوى اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبالتالي إضعاف نفوذ القوى السياسية والاجتماعية التي بنت نفوذها في الدولة والمجتمع، خلال العقدين الماضيين، بالاستناد إلى وجودها في السلطة والسياسات النيوليبرالية التي اعتمدتها..

انطلاقاً مما تقدّم فإنّ قوى المعارضة، في ١٤ آذار تحديداً، ترى في استمرار هذه الحكومة خطراً على مصالحها وتهديداً داهماً لنفوذها السياسي والاجتماعي، ولهذا فهي لن توفر جهداً لأجل محاولة إرباك عمل الحكومة وإثارة المشكلات في وجهها، انْ كان من خلال تسعير المضاربة بالدولار ورفع سعره بالتعاون مع جمعية المصارف باستمرار حجب الدولارات عن المودعين، أو من خلال شنّ حملة إعلامية، عبر وسائلها الإعلامية، تحرّض ضدّ الحكومة .. وصولً إلى الإطاحة بها..

طبعاً هذا يفرض على الحكومة عدم التردّد او التراجع امام حملة التهويل والضغط التي تصعد منها أطراف المعارضة.. فمن المعروف انّ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، ولذلك فإنّ إحباط أهداف هذه الحملة المغرضة، التي تستهدف الحكومة، إنما يكمن في الهجوم، عبر العمل على إحداث تغيير جذري في السياسات الريعية لمصلحة انتهاج سياسات إنتاجية تنموية، والانفتاح على الشرق انطلاقاً من البوابة السورية حيث الأسواق الطبيعة لتصدير الإنتاج اللبناني. كذلك العمل على اتخاذ الخطوات الإصلاحية الجدية والتي تشمل الإصلاح المالي، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي المتضخم، ومحاربة الفساد، وتطبيق إصلاحات الطائف، وهو ما يلبّي مطالب الناس الحقيقية، التي تشكل الدعامة الأساسية للحكومة، في مواجهة قوى المعارضة، التي خرجت من جنة السلطة، وتعيش اليوم حالة قلق متزايدة من احتمال نجاح الحكومة، وما يعنيه ذلك من إطالة أمد بقاء هذه القوى خارج السلطة، وبالتالي تراجع نفوذها الشعبي، الذي بنته من خلال رشوة الناس بالخدمات، التي كانت تؤمنها من خلال وجودها في السلطة…