أشار المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​ إلى أن "دولة ​الطوائف​ ودولة الأمراء والزعماء والإقطاع دولة فساد وتبديد الثروات زتضييع الحقوق، المجتمعية والفردية، على حساب الوطن والمواطن".

وفي رسالة شهر رمضان، اعتبر أن "ما عشناه على مدى سنوات ولا نزال هو وفق هذه القاعدة التي أفلست البلد، وأثقلته بالديون، ونهبت تعب الناس بسياسات مافياوية دبّرتها وحاكتها زمر سياسية واقتصادية ومصرفية، لا تخجل ولا تستحي ولا تخاف الله، ولا تزال تستغبي اللبنانيين وتعدهم بالإصلاح، وبمكافحة ​الفساد​ وبمحاسبة الفاسدين وباسترداد ​الأموال المنهوبة​، فيما الواقع يؤكّد العكس، ويكشف صراعاً عميقاً ومستفحلاً على السلطة، بدل التنافس والتسابق على قيامة وطن، بما يعنيه من حاكم مسؤول، ومواطن كفوء".

ورأى أنه "ثبت للعيان بالبرهان والأدلة القاطعة أن هذا النظام قد فشل بمندرجاته ومتفرعاته، وكل محاولات الترقيع والتجميل لم تعد تنفع، فالنتائج كارثية، وواقع البلد والناس فضح عورات الجميع وسوءات سياساتهم وإداراتهم، مما يؤكّد الحاجة المسيسة لإيجاد صيغة حكم بديلة، تنهي هذه الحقبة من النفاق السياسي وهذا النهج في التصنّع الوطني والاستبطان الطائفي، فالبلد لم يعد يحتمل، وربما فقد أهليته للقيام من جديد ما لم نسارع جميعاً إلى إنقاذه والانخراط معاً في مسيرة بناء ​الدولة المدنية​ بسلطاتها ومؤسساتها وإداراتها، على أسس الكفاءة والأهلية، وخارج كل القيود الطائفية والمذهبية، وبعيداً عن منطق المناصفة أو المثالثة أو المرابعة، فاللبنانيون سواسية في الحقوق والواجبات، وأبناء وطن واحد، ولا يعنيهم من السلطة لا اسمها ولا شكلها ولا لونها، بل يريدون سلطة تعمل من أجل الوطن وتكون في خدمة أبنائه، تثيب وتعاقب، وتساوي بين اللبنانيين من دون 6 و 6 مكرر، هذه المعادلة التي صنّفت اللبنانيين، وغذّت الطائفية، وبذرت روح الشقاق والفتن، وكرّست الانقسام يجب أن نتخلّص منها، وأن نلغيها من النفوس والنصوص، إذا كنا نريد بلداً متطوراً، تُحترم فيه القيم الإنسانية والأخلاقية والمجتمعية، ويكون نموذجاً يُحتذى في الإبداع والتأثير بين الشعوب والأمم".

وفي حين أكد أنها مهمة شاقة وعصيّة على البلوغ، شدد على أنها "ليست مستحيلة، إذا ما توفرت الإرادة، وتضافرت الجهود، وكُسرت القيود الوهمية والتخويفات المصطنعة التي تروّج لها العقليات المتصهينة والمتآمرة على كيانية هذا البلد ووحدته واستمراره كواحة تتفاعل فيها الديانات، وتتمازج فيها الحضارات والثقافات".

ودع الشيخ قبلان الحكومة إلى ذهنية جديدة، ونهج متميّز، "يؤسس لنقلة نوعية في ممارسة السلطة وإدارة شؤون الدولة على النحو الذي يكسبها ثقة الداخل والخارج، ويؤشّر إلى أن هذه الحكومة المطوّقة بشتى أنواع الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية، وعلى رأسها جائحة ​كورونا​، مصممةٌ على وضع الدولة ومؤسساتها على السكة الصحيحة، وعازمة على انتشالها من هذا التخبّط الذي أطاح بآمال اللبنانيين، وسوّد طموحاتهم، ومصرّة على محاسبة كل من أفسد وارتكب وتتطاول على المال العام، من خلال إصلاحات حقيقية لا كلامية، وإجراءات حازمة وحاسمة لا محاباة فيها، ولا استرضاء لأحد، بل تأكيد على المصلحة العليا، وتثبيت لحقوق الناس التي ضيّعتها ​سياسة​ الصفقات والهندسات وتقسيم المغانم، دون أن تنسى هذه الحكومة أن هدر الوقت ليس لصالحها، فالمرحلة دقيقة ومصيرية وتستدعي مواقف سريعة وجريئة، وخططاً واضحة، وبرامج شفافة، ومواقف تبيّن الحقائق، وتحدّد الأهداف، بعيداً عن العشوائية والاستنسابية، وبخاصة الحسابات السلطوية والطائفية".

وحذر الحكومة "من الدخول في البازارات السياسية والانزلاق إلى لعبة المصالح في القضاء و​التعيينات​ وإعادة ترميم المؤسسات، فالمسؤولية كبيرة، وعدم الالتزام بمعايير الكفاءة والجدارة ونظافة الكفّ والعفّة في كل المواقع والمراكز يعني نحن أمام الانهيار الكبير الذي لا قيامة بعده، فالمزاح ممنوع، وثقافة تدوير الزوايا لصالح هذا وكرمى لذاك لم تعد مستساغة ولا مقبولة. وعلى من يعنيهم الأمر، أن يتنبهوا للمخاطر المحدقة، وللفوضى الهدامة التي تدفع بالبلد إلى المصير المجهول".

وطالب الجميع بالتهدئة والعقلنة وباعتماد الحكمة سبيلاً للتواصل والتعاون على تقطيع هذه المرحلة التي فيها الكثير من التحديات والتداعيات، وتتطلب المزيد من الوعي والجهود المضاعفة، والوقوف إلى جانب الحكومة ومؤازرتها في مواجهة الابتلاءات التي أصابت اللبنانيين جميعاً، وأفقدتهم الثقة بكل المعالجات والتوجّهات التي لا زالت دون المستوى، ولا تؤشّر إلى أن الخروج من المحنة قد يكون ممكناً.