لَطالَما تَمَلَّكَني الفُضولُ أن أعرِفَ كيفَ عاشَ المسيحيّونَ الأَوائِل حَدَثَ القِيامَة. كَيف صَلَّوها، وكيفَ عَبَّرُوا عنها فَنيًّا؟.

الرَّسمُ وَجهٌ مِن وُجُوهِ الكِتابَةِ بِالأَلوان، وكَذلِكَ النَّقشُ الّذي يَهدِفُ إلى بُلوغِ تَعبيرٍ معيَّن. مِن هُنا الفِعلُ اليُونانيّ القَديم Γράφω (غرافو) يشيرُ إلى هذه الأمور.

إنَّه أمرٌ مُستحيلٌ أن نَرى شَعبًا مِن دُونِ رُسومٍ يُعَبِّرُ فِيها عن أَحداثٍ مرَّ بِها، أو مُعتَقَداتٍ يؤمِنُ بها.

يَقولُ الشَّاعِرُ والفَيلَسُوفُ الفَرنسيّ Paul Valéry (١٨٧١-١٨٤٥م) "يَسمحُ لَنا الرَّسمُ أن نَنظُرَ إلى الأَشياءِ الّتي طَالَمَا حُدِّقَ بِها بِعِشْق".

هذا هوَ تَمامًا حَالُ المَسيحيّينَ وإلهِهِم الرَّب يَسوعَ المَسيح، معشُوقِهم الأَبديّ. يَسوعُ عَشِقَ الإنسانَ حتّى المَوت وأَقامَهُ مَعَه، فَبَاتَ كُلُّ مَن عَرَفَهُ عاشِقًا له، ومُتَيَّمًا به.

قِيامةُ المَسيحِ حَدَثٌ خَلاصيٌّ بِامتياز، هَذا الإلَهُ الّذي نَزَلَ إلى قَعرِ الجَحيمِ، كَسَّرَ قُيودَ المَوتِ، وأَعطانا الحَياةَ الأبدِيَّة، فَأصبَحَ المَسِيحيُّونَ، بِهذا العُبُورِ، العبرانيّينَ الجُدُدَ، القِياميّين الّذين يُنشِدُونَ القِيامَةَ نَشيدَ الظَّفَر. هَذهِ الغَلَبَةُ جَعلَتِ المَسيحيّينَ الأَوئلَ يُعَبِّرونَ عَن أَحداثٍ في العَهدِ القَديمِ على أنَّها أَحداثٌ قِياميّة، فَرَسمُوها جِدارِيَّات، ونَقَشُوها نواميس، وتَلَوها صَلاة.

بَعضُ الجِدارِيَّاتِ والنواميسِ في دَيامِيسِ رُوما، والّتي تَعُودُ إلى القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى، وبَعضُها يَعُودُ إلى النِّصفِ الأوَّل منَ القَرنِ الرّابع، تُظهِرُ مُوسى يَضرِبُ صَخرةً يَخرُجُ مِنها مَاءٌ، ويُونَانَ يَخرُجُ مِن بَطنِ الحُوت، ودَانيالَ في جُبِّ الأُسُودِ، والفِتيَةَ الثَّلاثَةَ في أَتُونِ النَّار.

هَذهِ المَشاهِدُ الأربع، تُعَبِّرُ بِشكلٍ عَميقٍ عَنِ القِيامَةِ ومَفاعيلِها. ولا يَزالُ أَثَرُهَا مَوجُودًا في اللّيتورجيّة، في قِطَعِ صَلواتٍ تُرَنَّمُ في صلاةِ السَّحَرِ قَبلَ القُدَّاسِ الإِلَهي.

"إن يُونانَ لمَّا كانَ في جَوفِ الحُوتِ البَحري، وبَسَطَ يدَيهِ بِشَكلِ صَليب، سَبَقَ فَرَسَمَ الآلامَ الخَلاصِيَّةَ بِوُضُوح، ولمَّا خَرَجَ في اليَومِ الثَّالِث، مَثَّلَ القِيامَةَ الفَائِقَةَ العَالَم، الّتي لِلمَسِيحِ الإلَه، المُسَمَّرِ بِالجَسَد، والمُنِيرِ العَالَمَ بِالقِيامَة ذاتِ الثَّلاثَةِ الأَيّام".

إذا تأمَّلْنا جَيِّدًا بِهذِهِ الكَلِماتِ نَجِدُ كُلَّ التّدبيرِ الخَلاصيّ: الصَّليبَ، والنُّزُولَ إلى الجَحِيمِ الّذي هُوَ جَوفُ الحُوت، وقِيامَةَ الرَّبِّ في اليَومِ الثَّالِث، واستِنَارَةَ العَالَم.

كَذلِكَ هُناكَ صَلواتٌ تَتَكلَّمُ على الفِتيانِ الثَّلاثَةِ الّذينَ لم تَأكُلْهُم النَّارُ الآكِلَةُ، إذ كَانُوا يُرَتِّلَون: مُبارَكٌ أيُّها الفَائِقُ التّسبيحِ يا إلهَ آبائِنَا، الّذي تَنازَلَ وحَوَّلَ النَّارَ إلى ندًى. ألَم يَتَحَوَّلِ المَوتُ بِالقِيامَةِ إلى رُقَاد؟

وأيضًا عندما وُضِع دانيالُ النَّبيُّ في الجُبِّ لتَبتَلِعَهُ الأُسُودُ، لم يُدرِكِ الظَّالِمُونَ أنَّهُم كَانُوا يَرسُمونَ صُورَةً مُسبَقَةً لانهِزامِ المَوتِ أمَامَ سَيِّدِ الحَياةِ الّذي قَامَ حَيًّا فِي اليَومِ الثّالث.

كمَا نَذكُرُ في إحدى التّسبيحَات، عَطَشَ الشَّعبِ في البَريَّةِ وكيفَ سَقَاهُ الرَّبُّ، ورَضِعُوا عَسَلًا مِن صَخرة. ومَا الصَّخرةُ إلّا المَسيحُ الّذي يُروينا مِن مِياهِهِ الّتي لا تَنضَب.

كُلُّ هذا يُشيرُ إلى أنَّ هذِهِ الجِدارِيَّاتِ الأربع وما يَتبَعُها مِن نواميس، كَانت فِصحِيَّةً بِامتِياز، وهي تَشهَدُ على ثِقَةٍ كامِلة بِالمُخَلِّصِ القَائِمِ الفَادي. وهُنا تَعلُو الصَّلواتُ، فَكَما يا رَبُّ أَنقَذتَ يُونانَ أَنقِذْنا، وكَما رَويتَ الشَّعبَ العَطشانَ إسْقِنا، وكَما حَفِظتَ الفِتيةَ الثَّلاثَةَ في النَّارِ احفَظنا، وكما خَلَّصتَ دَانيالَ مِنَ الأُسُودِ خَلِّصنا.

فَصرخَةُ تُوما الرَّسولِ "رَبِّي وإلهي"، الّذي تُكَرِّسُ الكَنيسَةُ هَذا الأَحدَ لَهُ، إن صَرَخَها كلُّ واحِدٍ مِنَّا وَسَطَ كُلِّ الصِّعابِ الّتي تُحيطُ بِنا، تُصبِحُ هي أَيضًا جِدارِيَّةً فِصحِيَّةً بِامتِياز.

قَد نَضعُفُ وقد نَشُكّ، ولَكن لِنَنتَبِهْ جَيّدًا.

تُوما الرَّسُولُ كانَ صَادِقًا حَتَّى في شَكِّه. هُناكَ قَولٌ أَدَبِيّ للكَاتِبِ François Mauriac "حَتّى في شَكِّنَا يجب أن نبقى أمينِين".

وأمام هذا الشَّكِّ الصَّادِقِ عَادَ السَّيدُ ودعَا توما لِيَلمُسَ يَدَيهِ وجَنبَه. فَكَمَا لم يَشأْ الرَّبُّ أن يَترُكَه حَائِرًا في زَمَنِ المَوت، هكذا يَدعُونَا نَحنُ أيضًا إلى زَمَنِ الحَياة. لَكِنَّهُ لَن يَدخُلَ قَلبَنا إذا لم نَفتَحْ لَهُ البَاب. فَهلّا دَعَونَاه؟.