إنّ صحة ​الاقتصاد اللبناني​ تبدأ باسترجاع الثقة، واسترجاع الثقة لن يتحقق من دون الشفافية المطلقة، لقد عانى اللبنانيون عقوداً من الغموض في العمل العام والسياسي حيث تُطبخ الامور تحت الطاولة ويتقرر مصيرهم من وراء ظهورهم. واستيقظ اللبنانيون اليوم على انهيار يتحمّلون تبعاته.

لقد فُقد المال اليوم وبات اللبنانيون يعرفون ذلك جيداً، أمّا كيف فُقد ولماذا؟ فهذا طرح آخر وقضية أخرى.

ولأنّ المال قد فُقد، يجب على الاقل تنحية من كان قيّماً عليه، واذا كان تعقيد ​النظام اللبناني​ وطائفيته واصطفافاته يجعل تنحية هؤلاء صعبة، أقترح أن يسمّي ​المجتمع المدني​ وكل من ينادي ب​محاربة الفساد​ أشخاصاً يحوزون على ثقة الشعب ليقوموا بدور الرقيب ويعلموا الشعب بالتفاصيل بشفافية، شخصيات يتم تعيينها في ​المصرف المركزي​ والمالية وغيرها، ليخبروا الجميع بما يحدث حقيقة بالأرقام والوقائع. شخصيات من طينة رئيس ​الحكومة​ السابق ​سليم الحص​ والوزير السابق ​جورج قرم​، مشهود لها بنظافة كفها.

هذا إجراء مؤقت الى حين يصبح قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة فاعلاً، والذي أكرر المطالبة به يومياً لكي نعرف جميعاً كيف يُجبى مال الشعب وكيف يُصرف، وهو يحتاج الى وقت لوجستي بعد إقراره لتجهيز كافة ​الادارات العامة​ بالتطبيقات و​المواقع الالكترونية​ اللازمة، الأهم الّا يكون تعيين هؤلاء عذراً لتأخير قانون الشفافية المُلح والضروري لإعادة ثقة الشعب بالعمل الحكومي.

هنا أود أن أعود وأكرر نصيحة للمصارف وهي ليست النصيحة الاولى:

- أشدد على ضرورة المحافظة على ​المصارف​ وعملها واستقلاليتها وعلى ​السرية المصرفية​.

- على المصارف أن تستعيد ثقة الناس، بحيث انه اذا اراد أيّ عميل الاستدانة او وضع وديعة، ان تكون الفوائد واضحة وشفافة وألّا يتفاجأ بأرقام لم يكن على عِلم بها وعدم وجود أي قُطب مخفية في التعامل مع الزبون.

- إنّ السرية المصرفية مطلوبة لاستمرار ​القطاع المصرفي​ ولكنها يجب الّا تسري على المصرف المركزي وكل ما له علاقة بالمال العام. فأين وجد المال العام يجب ان تكون الشفافية هي القاعدة الاولى.

أخيراً، أودّ الاشارة الى نقطة أثارت جدلاً في الايام الماضية، بالنسبة الى ارتفاع اسعار بعض السلع الزراعية مثلاً، لقد أوقفت الحكومة استيراد ​البطاطا​ نزولاً عند رغبة ​المزارعين​، وفي هذه الحالة تكون الحكومة قد كسرت مبادىء ​السوق الحرة​ لمصلحة طرف معين. اذاً، أصبح من واجبها ان تقوم بمراقبة وتحديد أرباح واسعار الجهة المستفيدة من هذا الاجراء، لحماية المواطن من الاحتكار. وهناك أمثلة كثيرة سنأتي على مناقشتها في مقالات لاحقة.

كنت أتمنى ألّا نصل الى تدخّل الدولة في تحديد الاسعار، خصوصاً انّ اقتناعي يبقى في انّ التنافسية والسوق الحرة هي من تقدّم سلعة أفضل وبأسعار تنافسية، ولكن بما انّ الامور وصلت الى هذه الحال بفِعل قرارات خاطئة وقد وقعنا في المحظور، فعلى الحكومة ان تتدخل لحماية المواطن.