قبل ​تشكيل الحكومة​ الحالية، كان من الممكن رفض طرح الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، على قاعدة منح الأكثرية النيابية فرصة تولي المسؤولية عن إدارة البلاد، خصوصاً أن هذه الأكثرية أبدت استعدادها لذلك، في مقابل قرار القوى المعارضة البقاء خارجها، لكن اليوم يبدو أن الطريق الوحيد المتاح هو العودة إلى هذا الطرح من جديد، لا سيما أن بعض الشخصيات المحسوبة على الأكثرية كانت تؤكد أنه في حال فشل حكومة حسّان دياب ليس هناك من خيار آخر إلا العودة إلى الشعب.

في هذا السياق، بات من الواضح أن المشكلة الأساس في ​لبنان​ سياسية لا اقتصاديّة أو ماليّة، وبالتّالي الحلّ من المفترض أن يكون سياسيًّا بالدرجة الأولى، إلا أن القوى مجتمعة المسؤولة عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد، عاجزة عن القيام بأيّ خطوة على هذا الصعيد، في حين أن المواطنين هم من يدفع ثمن تردّي الأوضاع يوماً بعد آخر، بدليل تحويل أي طرح إلى صراع سياسي بين الأفرقاء المتخاصمين، ينذر بأخذ البلاد، كما هو الواقع الراهن، إلى مواجهة سيّاسية مفتوحة.

قبل أشهر قليلة، كان المواطنون الذين نزلوا إلى الشوارع يطالبون بالذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، في حين كانت بعض قوى الأكثريّة تعتبر أنها مستهدفة من هذا الخيار، وبالتّالي كانت ترفضه انطلاقاً من حقّها في ممارسة الحكم بعد فوزها في ​الانتخابات​ الماضية، إلا أنّه مع تعاظم ​الأزمة​ التي تمر بلبنان، بات من الضروري الذهاب إلى هذا الخيار، كما يحصل في معظم دول العالم التي تشهد أزمات مصيريّة، ليقرّر الشعب من جديد ما يريده، لا سيما إذا فشلت الأكثريّة في تأمين فرص نجاح حكومة دياب، بسبب الخلافات بين مكوّناتها.

في الوقت الراهن، لا يستطيع أيّ فريق أن يدّعي تمثيله للبنانيين، نظراً إلى التحوّلات الكبيرة التي حصلت منذ السابع من تشرين الأول الماضي حتى اليوم، وبالتالي من المنطقي الدعوة إلى انتخابات تفرز مجلسًا نيابيًّا جديدًا يحظى بالشرعية الشعبيّة، على أن ينتج عن هذا المجلس حكومة تتولّى مواجهة أو معالجة الأزمات التي تشهدها البلاد، خصوصاً أن الطبقة السياسيّة أثبتت عجزها عن القيام بأيّ إجراءات تحدّ من سرعة الانهيار القائم.

ما تقدم، يتطلّب إطلاق ورشة حوار وطني حول ​قانون الانتخاب​ الّذي من المفترض أن تجري على أساسه ​الانتخابات النيابية​ المبكرة، نظراً إلى أن القانون الحالي فصّل على أساس القوى السّياسية التي وضعته لإعادة انتخابها، في حين أن المطلوب اليوم هو ولادة سلطة تشريعيّة تمثّل اللبنانيين بأفضل شكل ممكن، لا حصول انتخابات صوريّة تعيد الأفضليّة لتلك القوى على غيرها، وعندها فليتحمّل ​اللبنانيون​ المسؤوليّة عن الخيارات التي سيذهبون إليها، سواء لناحية إعادة تجديد الثقة بالطبقة السّياسية أو اختيار قوى وشخصيّات جديدة تتولى المهمة، أيّ فتح المجال أمام فرصة للتغيير في حال أراد الشعب ذلك.

هذا الخيار أو هذه الدعوة، تأتي بعد أن أثبتت معظم القوى السّياسية أنّها، حتى الآن، غير مستعدّة للقيام بأيّ إصلاح أو الدخول في معركة ​مكافحة الفساد​، وبالتّالي من المنطقي أن يمنح المواطن فرصة التعبير عن رأيه فيما لو كان يريد الاستمرار بالواقع نفسه أو بات يطمح إلى التغيير، حتى ولو كانت هذه الفرصة شبه معدومة، خصوصاً إذا ما كانت البلاد، كما توحي مختلف المعطيات، ذاهبة إلى مواجهة سياسية، عنونها البارز اقتصاديّة وماليّة، من العيار الثقيل.