لا شكَّ أَنَّ أَسهم حاكم مصرف ​لبنان​ ​رياض سلامة​ المُتهاوية تحت ثقل الأَموال "المُتبخَّرة" من ​المصارف​، وحكايا التَّلاعب ب​المال​ العام، والمسؤوليَّة عن الانهيار الهستيريّ للعُملة الوطنيَّة، وترحيل العملة الخضراء بالملايين من لبنان، وسوء الإِدارة والغمز بقوَّةٍ من قناة ​الفساد​ الوظيفيِّ ومن باب ​مصرف لبنان​ الواسع... ستبقى مجالاً للتَّبايُنات السِّياسيَّة، وإِنْ كان ملفُّ الحاكم من الحجم الثَّقيل، وبالتَّالي يفرض على اللاعبين السِّياسيِّين التَّعاطي معه بالـ"سنتات والليرات"، لا بل بميزان الذَّهب!.

إِنَّه ملفٌّ مُلتهب، إِلى درجة إِحراق أَصابع حامليه، إِلى درجة أَنْ تنسحب نيران الحريق على المُستقبل السِّياسيّ للبعض، وعلى المقام الرُّوحيِّ للبعض الآخر!. فحتَّى المُدافعين عن سلامة، والقائِلين بسلامة حاكميَّته المصرفيَّة، لا يُقنعون أَصحاب الأَمعاء الفارغة في الشَّارع، بـ"مظلوميَّة الحاكم المركزيّ"، الَّذي قال عنه يومًا الأَمين العامّ لـ"حزب الله" السَّيِّد ​حسن نصر الله​، إِنَّه كان "يذهب أَبعد من الأَميركيِّين أَنفسهم، في الإِجراءات المصرفيَّة المفروضة على لُبنان"، ما يُدخل سلامة بالتَّالي في "نادي أَصدقاء ​واشنطن​"، كيلا نذهب أَبعد من ذلك في الوصف...

ضبابيَّة برِّي

وما يُؤَشِّر إِلى دقَّة ملفّ سلامة وتشعُّباته، وامتداداته إِلى ما بعد البحار، وإِمساكه برقاب العباد ومُدَّخراتهم وفلسات أَراملهم، وفضلات تعويض مُتقاعديهم، وحقوق عسكريِّيهم والمدنيِّين على حدٍّ سواء، تردَّد رئيس مجلس النُّوَّاب نبيه برِّي حيال هذا الملفّ "الملغوم". وحين يتردَّد الرَّجل في الجهر بموقفه، فأَدْرِك إِذَّاك أَنَّ وراء الأَكمة ما وراءها، وأَنَّ خطرًا داهمًا يخشى "النَّبيه" حدوثه!...

واقعيَّة باسيل

غير أَنَّ رئيس "التيَّار الوطنيّ الحُرّ" النَّائب ​جبران باسيل​، ارتأَى "أَنْ يطحش" في ملفِّ سلامة، لأَنَّ المسأَلة بالنِّسبة إِلى لُبنان، ترتبط بالسِّيادة الوطنيَّة كما والماليَّة أَيضًا للدَّولة. وواقعيَّة باسيل تحول دون تحميله سلامة كامل المسؤوليَّة، غير أَنَّ رئيس التيَّار، لا ينفي في المُقابل، المسؤوليّة عن سلامة، لكونه طمأَن النَّاس بـ"مُسكِّناتٍ كلاميَّةٍ"، حاول من خلالها إِخفاء تفشِّي العلَّة الماليَّة والاقتصاديَّة المُستفحلة على امتداد الوطن، وقديمًا قيل: "من أَخفى علَّته قتلته!"...

ومِن إِجراءات باسيل واقتراحاته في هذا الإِطار، دعوته الأَحد الماضي، في رسالته، إِلى كشف أَموال العاملين في ​القطاع العام​ جميعًا ومُمتلكاتهم، في فرزٍ يفصل الشُّرفاء عن المُتورِّطين في ​منظومة​ الفساد في لبنان...

الرَّاعي والموقف المُستهجَن!

وما دعا إِليه باسيل –في رُؤْيته الواقعيَّة الثَّاقبة- لناحية عدم تحميل سلامة كامل المسؤوليَّة، قد عبَّر عنه أَيضًا البطريرك المارونيّ مار بشارة بُطرس الرَّاعي، وإِنْ على طريقته. غير أَنَّ كلام الرَّاعي لم يُراعِ الأُصول الوطنيَّة، فبدا طائفيًّا فئويًّا، يعكس نصرةً مارونيَّةً لابن الطَّائفة، "ظالمًا كان أَم مظلومًا!".

والحدُّ الفاصل بين باسيل والرَّاعي، عبَّر عنه رئيس "التيَّار" بنفسه، من خلال دعوته المراجع الرُّوحيَّة في لُبنان، إِلى عدم الوقوف في وجه المساعي الإِصلاحيَّة، وعرقلة المُساءَلة والمُحاسبة، عبر توفير الحماية في إِطارٍ من المحميَّات الطَّائفيَّة...

وأمَّا في العلن، فوحده النَّائب السَّابق عن "تيَّار ​المستقبل​" الدُّكتور غطَّاس خوري، أَشاد بكلام سيِّد ​بكركي​، الَّذي قد يكون آثر الدِّفاع عن موقع حاكميَّة مصرف لبنان، على حساب موقع الرِّئاسة الأُولى، إِذ إِنَّ ملفَّ سلامة وسياسته المصرفيَّة، وحتَّى إِشعارٍ آخر، لا يضرَّان بعهد رئيس الجمهوريَّة العماد ​ميشال عون​ وحسب، بل وبكُلِّ لبنان واللُّبنانيِّين.

ومهما يكُن من أَمرٍ، فإنَّ سلامة يترنَّح الآن بين كونه "حصان طروادة" يحمل الهلاك إِلى الشَّعب، كما ويُشكِّل ما سمَّاه رئيس ​الحكومة​ الدُّكتور حسَّان دياب "انقلابًا عن طريق تجويع النَّاس وإِفلاسهم"، وبين كونه "مكسر عصا" لبعض المُدافعين عن حاكم المصرف وإِنْ اعتمدوا –حتَّى السَّاعة- حججًا لا تمتُّ إِلى المنطق ولا إِلى الواقع بصلةٍ... ولكن قبل رفع التَّعبئة العامَّة، والعودة الشَّعبيَّة إِلى الشَّارع، ينبغي أَنْ يكون قد "ذاب الثَّلج وبان المرج"، فيما النَّاس المُراقِبون من شُرُفاتهم اليوم، سيكون لهُم "خبطات أَقدامٍ جبَّارةٍ" قريبًا، فحذارِ غضب الشَّارع!.