تحوّلت الأوراق النقدية ال​لبنان​ية الى فتات أموال، بعد جنون ​الدولار​ على الأراضي اللبنانية، ولأن اقتصادنا "مُدَوْلَر"، ارتفعت أسعار السلع، الغذائية وغيرها، بشكل كبير، فوصلت نسب الارتفاع في بعض الاحيان الى أكثر من 100 بالمئة. ترافق هذا الزلزال مع أزمة الكورونا التي أنهت أعمال عدد كبير من المواطنين، وأوقفت أعمال البقيّة، وبات من يقبض راتبا نهاية الشهر، من المحظيين.

إن هذا الواقع الأسود، شكّل فرصة لعمل الخير، فانتشرت المبادرات الانسانيّة في كل المناطق اللبنانيّة، وهذه المبادرات لم تتعلق فقط بمأكل الناس، بل بصحّتهم ايضا، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز لتجميع ​الأدوية​ في محافظة ​بعلبك​-الهرمل، في منطقة دورس، من قبل المحافظة، بعد مبادرات عديدة قامت بها، الى جانب الخيرين في المنطقة.

يهدف مركز تجميع الادوية، كما يدل على الأمر اسمه، الى مساعدة المرضى الأكثر فقراً وحاجةً للدواء، لأن المواطن قد يستمر أسبوعا بطعام قليل، ولكنه قد لا يستمر أبدا من دون الأدوية التي يحتاجها.

يعمل المركز على جمع الادوية كتبرعات من الناس، واعادة توزيعها وفق آلية على المرضى عبر عدد من المستوصفات ضمن نطاق المحافظة، وهذه الآلية بحسب مدير المركز، الطبيب محمد الحسيني، تراعي الأصول وسلامة الأداء، لافتاً إلى أن اغلب أنواع الأدوية التي يحتاجها الناس قد تأمنت، وما لم يتأمن بشكل كامل هو ما يعالج الامراض المزمنة، مشيرا الى أن الأدوية في المركز تُحفظ في درجات حرارة مناسبة لها، وما يحتاج منها الى البرادات فقد وضعه فيها.

ويضيف الحسيني في حديث لـ"النشرة: "العمل في المركز يقوم على المتطوعين، والتبرعات لم تكن من أشخاص فقط، بل حصلنا على كميات كبيرة من الأدوية من مستودعات وصيدليات ومراكز صحية، لأن الجميع تحسّس صعوبة المرحلة التي نمر بها، وحاجة الناس للمساعدة، خصوصا أولئك الذي يحتاجون للادوية بشكل عاجل ومستمر.

"لن يتم التوزيع عشوائيا، ومن يستحق المساعدة سيحصل عليها، ومن يحتاج بشكل عاجل سيحصل على ​الدواء​ قبل غيره"، يقول الحسيني، مشيرا الى أن الاولوية ستكون للأشخاص غير المنتسبين الى الجهات الضامنة، ك​الضمان​ و​تعاونية موظفي الدولة​، كذلك ستكون للعاطلين عن العمل، وأولئك الذين لا يملكون مدخولا شهريا، مشددا على أن "لا دواء بلا وصفة طبية ومن لم يستشر طبيبا قبل حضوره الى المركز سيتولّى أحد الاطباء المتطوعين معاينته".

في بعلبك لا تنتهي مبادرات المساعدة، فأبناء ​البقاع​ يشتهرون بالكرم، وفي هذه المحنة لن يبخل الناس على بعضهم البعض، وفي تجربة مركز تجميع الادوية، فقد تجاوز الشعور بالإنسانية الحدود البقاعية، فاستقبل المركز التبرعات من كل لبنان بحسب ما يؤكد مديره محمد الحسيني.

هذه المبادرة الطبية في محافظة ​بعلبك الهرمل​ هي واحدة من مبادرات كثيرة في المنطقة، رسمية وغير رسمية، ومنها على سبيل المثال مبادرة إفطار العائلات الأشدّ فقرا، التي انطلقت منذ فترة ولكنها تطورت مع بداية ​شهر رمضان​ المبارك، حيث يتم يوميا تقديم مئات الوجبات لمئات العائلات البقاعية الفقيرة.

الغيرة هي عادة سلبية إجمالا، ولكنها تتحول الى عادة إيجابية عندما تتعلق الأمور بعمل الخير، والتقليد هنا ينفع أيضا، من منطقة الى منطقة، لكي لا يبقى فقير بلا طعام، ومريض بلا دواء، و"في ذلك فليتنافس المتنافسون".