لم تكد مؤشّرات السيطرة على انتشار ​فيروس كورونا​ المستجد تظهر، حتى بدأت تلوح في أفق ​الأزمة​ اللبنانية مطبّ الانزلاق نحو الفوضى، بدليل المشاهد التي تسيطر على الشارع منذ أيام، حيث عادت التحرّكات الاحتجاجيّة على وقع التخبط الذي يشهده سعر صرف ​الليرة​ مقابل ​الدولار​ الأميركي، الأمر الذي ينعكس على أسعار مختلف السلع في الأسواق، لا سيما الغذائية منها.

مشهد الفوضى لا يتوقف عند الكثير من الأسئلة التي تطرح حول أسباب زيادة الطلب على الدولار، لا سيما أنّ البلاد لا تزال في شبه حالة إغلاق كاملة، بل يشمل الموقف من التحركات في الشارع، فليس هناك من عاقل لا يستطيع أن يتفهم وجع الناس، الذين تزداد معاناتهم يوما بعد آخر، لكن في المقابل ليس هناك من يستطيع أن ينكر العوامل السّياسية التي تحاول إشعال الإحتجاجات، لا سيما في وجه ​حكومة حسان دياب​.

في الأيّام الماضية، كان واضحا أن بعض القوى السياسية تريد الاستثمار في معاناة المواطنين، بدليل إرتفاع وتيرة الخطابات السّياسية على نحو غير مسبوق منذ تاريخ التسوية الرئاسيّة المتعدّدة الأفرقاء، سواء بين "​التيار الوطني الحر​" وحزب "القوات اللبنانية" أو بين التيار وتيار "المستقبل"، في حين أن قوى المعارضة لم تنجح في الإتّفاق على برنامج عمل تخوض فيه المواجهة التي تتوعّد بها.

عجز قوى المعارضة عن بلورة مثل هذا البرنامج، الذي من المفترض أن يكون ماليا اقتصاديا اجتماعيا بالدرجة الأولى، يدفعها إلى التصعيد السياسي، من خلال توجيه الاتهامات إلى "التيار الوطني الحر" و​حزب الله​" بالسعي إلى السيطرة على البلاد، وبالتالي محاولة اللعب على هذا الوتر الذي يدغدغ مشاعر بعض المجموعات المذهبيّة من جهة، ويستجلب التدخل الخارجي من جهة ثانية.

في المقابل، البعض في قوى الأكثريّة، الداعمة لحكومة حسان دياب، يسعى إلى رفع وتيرة المواجهة عبر شعارات ​مكافحة الفساد​، التي تحاكي مطالب معظم المواطنين، لكن من دون تقديم أيّ برنامج واضح على هذا الصعيد، في ظلّ فشل أو تأخّر بالحدّ الأدنى في معالجة أبسط تداعيات الأزمتين الإجتماعية والإقتصادية.

الواقع الحالي لا يبشّر بالخير، فعندما تغيب الحلول تتعاظم الفوضى، التي تتشارك القوى السّياسية في الاستثمار بها، في حين ينتظر المواطن الحلول المالية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تهمّه الاتهامات المتبادلة بين الأفرقاء السياسيين، التي تنذر باحتمال توتير الشارع على وقع موجة واسعة من الشائعات لا تتوقف ولو للحظة واحدة، بينما تلوح في الأفق تلاميح دخول العامل الخارجي على الخط.

في المحصّلة، ليس تفصيلا دعوات بعض القوى السياسية المعارضة إلى المواجهة مع "حزب الله"، بعد أن كانت تسعى إلى تحييده عن صراعها مع "التيار الوطني الحر" و​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، لا سيما مع اقتراب صدور حكم ​المحكمة الدولية​ في جريمة اغتيال رئيس ​الحكومة​ الراحل ​رفيق الحريري​، وليس تفصيلا تماهي بعض الجهات الإقليميّة والدوليّة مع هذه الدعوات، فالقوى المحلّية قد تكون في وارد دعوة الحزب إلى تسوية ما تحسن من أوراق قوتها، لكن القوى الخارجية تريد أمرا آخرَ يختلف كليا.