ما ان طُرحت فكرة إقالة حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، حتى استفحل الانقسام الداخلي وازداد حدّة، على وقع الفرز بين مؤيّدي الإقالة ورافضيها، ما يعكس الحساسية الفائقة لمركز الحاكم، الذي يقع على «فالق» طائفي - سياسي ناشط.

يملك المتحمسون لإزاحة سلامة كثيراً من الأسباب الموجبة، ومن بينها انّه يتحمّل مسؤولية كبيرة عن وقوع الانهيار المالي والتفريط بودائع الناس المؤتمن عليها، وأنّ سياسة تثبيت سعر الصرف التي رُبطت به، وكانت واحداً من مبررات التمديد له، قد سقطت سقوطاً مدوّياً مع انهيار ​الليرة​ وانفلات ​الدولار​ المتمرّد، ما يُنهي إحدى أبرز الذرائع التي كان يجري الاستناد اليها للإبقاء على سلامة في موقعه.

يقرّ هؤلاء، بأنّ الرجل ليس مسؤولاً لوحده عن انفجار الازمة، وان له شركاء في الطبقة السياسية، الّا انّ هذا لا يقلّل في رأيهم من الأثر الكبير لدوره السلبي في تغطية موبقات الحكومات المتعاقبة، و«هندسة» السياسات المالية الخاطئة التي حققت ارباحاً لكبار القوم، قبل ان يتبيّن لاحقاً انّها لم تكن سوى لعبة طرابيش تهدف إلى شراء الوقت بكلفة باهظة.

ويشير الناقمون على سلامة، إلى أنّه «اذا كان من الضروري أيضاً معاقبة الآخرين المتورطين في وقوع كارثة إفلاس الدولة، فإنّ ذلك لا يعني انّه يجب الانتظار حتى ذلك الحين لمحاسبة حاكم ​البنك المركزي​، «بل لعلّ هناك حاجة ماسة إلى إحداث صدمة إيجابية على هذا الصعيد، لأنّها قد تساهم في اعادة الإمساك بزمام المبادرة ولجم الانحدار الى عمق الهاوية».

لكن المفارقة هي غياب المقاربة الموحّدة لطريقة التعاطي مع «الحاكم»، داخل الفريق «الحاضن» للحكومة، حيث يفترض البعض انّ اللحظة مؤاتية للتخلّص من سلامة وما يمثله، بينما يعارض البعض الآخر الدخول في هذه المغامرة على قاعدة انّ بقاءه حالياً في منصبه يظلّ اقل سوءاً من اقصائه عشوائياً.

وتعتبر شخصية بارزة في ​8 آذار​، ومؤيّدة للخيار الثاني، انّ الفريق السياسي الذي يغطي ​الحكومة​ سيتحمّل تلقائياً مسؤولية إقالة سلامة وتبعاتها، «فهل هو جاهز للإقدام على مثل هذه الخطوة واحتواء تردداتها، خصوصاً المالية منها، مع توقّع حصول قفزات هائلة في ​سعر الدولار​ لو تمّت الإقالة بطريقة عشوائية».

وتؤكّد تلك الشخصية، انّ في التأني سلامة، متسائلة: «هل هناك من يضمن السيطرة على سعر الصرف و​الوضع الاقتصادي​ اذا تقرّر بين ليلة وضحاها التخلّص من سلامة قبل تأمين الأرضية المناسبة لاتخاذ قرار مفصلي من هذا النوع»؟

وتضيف: «ربما ستصفق شريحة من اللبنانيين لفريقنا في حال أزاح سلامة المكروه شعبياً، ولكن سرعان ما ستتبدّل الصورة لاحقاً، لانّ ما بعده سيكون على الأرجح أسوأ بكثير مما قبله، مالياً واقتصادياً، وعندها سيظهر سلامة بمظهر الضحية التي دفعت ثمن الانتقام السياسي، وليس الفاشل الذي يجب أن يدفع ثمن مساهمته في إنتاج الازمة والوصول الى حدّ الانهيار».

وتتابع الشخصية ايّاها: «سلامة في حدّ ذاته لا يعني لنا شيئاً «ومش فارقة معنا شو بيصير فيه كشخص»، غير أنّ ما يهمّنا هو الوضع الذي سيستجد بعد اقصائه، ومصير النظام المصرفي الذي ينبغي ان نفصل بين ضرورة حمايته وبين وجوب محاسبة ​المصارف​ المتورطة في ارتكابات مالية».

َوتشدّد الشخصية المحورية في 8 آذار، على أنّ المطلوب حصول اكبر توافق ممكن حول البديل عن سلامة قبل اقصائه. متسائلة عمّا اذا كان يوجد في الوقت الحاضر اي تفاهم على هذا البديل، الذي ينبغي أن يتحلّى بالنزاهة والكفاءة والشجاعة وبغطاء سياسي واسع، «الّا اذا كانت هناك جهة في السلطة تضمر نيّة بالاستحواذ على موقع حاكم مصرف لبنان واختيار اسم تابع لها لتوليه، الأمر الذي لا يمكن قبوله».

وتشير الشخصية نفسها إلى أنّ من الضروري الأخذ في الحسبان، انّ واقع الدولة حالياً ليس سوى كناية عن سلّة فارغة ومثقوبة، لو تسلّمها سوبرمان لن يستطيع أن يفعل شيئاً، ولذلك من الأفضل أن نعطي الاولوية راهناً للبحث في طريقة مجدية لمعالجة وضع السلّة ورسم السياسات الإنقاذية، بدل الاستغراق في وحول التجاذبات ولعبة تصفية الحسابات، بحيث يأتي اي تغيير لاحقاً لحاكم البنك المركزي ضمن خطة متكاملة ومدروسة».

وتلفت الشخصية الاساسية في 8 آذار، الى أنّ التجديد لولاية رياض سلامة تمّ اصلاً تحت ظلال التسوية والتفاهم بين الرئيسين ​ميشال عون​ و​سعد الحريري​، مستغربة كيف انّه كان آنذاك مقبولاً «وما في متلو» ثم أصبح الآن مرفوضاً ومرتكباً.

وأبعد من التوازنات المحلية، تنبّه الشخصية المذكورة الى انّ حاكم البنك المركزي يحتاج في نهاية المطاف إلى شرعية دولية، «ولا مصلحة في أن يكون هناك أي نفور بينه وبين المجتمع الدولي»، محذّرة من انّ «مبادرة حكومة مدعومة من «حزب الله» إلى إقالة سلامة قد تتسبب في تداعيات نحن في غنى عنها، وستعطي المتربصين ب​المقاومة​ ذريعة لاتهامها بالتمدّد الى النظام المالي اللبناني».

وتضيف الشخصية: «بصراحة، المطلوب وجود حاكم لمصرف لبنان يستطيع التواصل مع الخارج واكتساب ثقته، ولا سيما في ظلّ تفاقم المأزق الاقتصادي - المالي، وبالتالي ليست هناك من مصلحة او حكمة في إعطاء البعض فرصة للترويج بأنّ مصرف لبنان بات خاضعاً لنفوذ «حزب الله» وتأثيره، بمعزل عن انّ هذا الاتهام غير صحيح عملياً».

وعلى وقع استعدادات الحكومة للخوض في معركة ​مكافحة الفساد​، تشدّد تلك الشخصية على أنّ هذه المعركة يجب أن تُخاض بأسلحة القانون والقضاء، مؤكّدة انّه ليس مقبولاً ان تتولّى لجنة برئاسة المدير العام ل​وزارة المالية​ آلان بيفاني، المقرّب من إحدى الجهات السياسية، محاسبة الوزراء والنواب.

وتعتبر انّ ملف محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم ينبغي أن يتصدّى له قضاة حياديون وموثوقون، «بعيداً من الوسائل الانقلابية والتعسفية، وإلّا فإننا نكون أمام حكومة عسكرية مموهة بالتكنوقراط».