على وقع الإتهامات والهجمات التي يتعرض لها، لا سيما بعد المواقف الأخيرة التي أعلنها رئيس الحكومة ​حسان دياب​، خرج حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ بكلمة إلى اللبنانيين، جاءت بناء على طلب دياب نفسه قبل أيام، ليوضح حقيقة الأرقام التي لدى مصرف لبنان.

الكثير من المواطنين لم يفهموا ما أدلى به حاكم مصرف لبنان من مواقف تقنية، لكن كان من الواضح أن سلامة يريد أن يعيد الكرة إلى الحكومة عبر دعوتها إلى القيام بالإصلاحات اللازمة، التي كانت الحكومات السابقة قد تعهدت بها أيضاً من دون أن تترجمها إلى واقع فعلي.

في هذا السياق، يعتبر الخبير المصرفي والمالي ​نسيب غبريل​، في حديث لـ"النشرة"، أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وضع النقاط على الحروف، وأوضح الصورة بالأرقام بشكل كامل، الأمر الذي من المفترض أن يوقف الجدال والحملات القائمة، وبالتالي بات من الواضح أين يكمن الخلل في الإقتصاد وأين هي المشكلة المزمنة التي لم تعالج، والتي تتمثل ب​المالية العامة​ وبسوء إدارة الشأن العام، بالإضافة إلى النفقات وعدم مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية أو إيجاد حل منطقي لأزمة الكهرباء.

ويرى غبريل أن الأرقام واضحة جداً، لناحية العجز في الموازنة والميزان التجاري، حيث يمثلان الخسائر الحقيقية على الإقتصاد وليس ما أشيع في المسودة المالية التي تنصل منها الجميع، وينفي ما يقال عن أن سلامة لم يكن واضحاً في كلمته، ويشدد على أن هناك إستقلالية لمصرف لبنان تعطيه المصداقية، وهو قدم كل البيانات المطلوبة التي هي أيضاً منشورة في ​الجريدة الرسمية​.

من جانبه، يشير الخبير المالي والإقتصادي ​وليد أبو سليمان​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن حاكم مصرف لبنان متملك من الأرقام التي قدمها لأنها في الأصل لديه، لكنه في المقابل يشير إلى وجود مجموعة من النقاط التي ينبغي التوقف عندها، أبرزها موضوع الودائع التي طمأن إلى أنها موجودة في ​المصارف​، ويسأل: "لماذا لا يستطيع المودع التصرف بها أو الحصول عليها طالما هي مجودة"؟.

كما يستغرب أبو سليمان التفاوت الكبير بالأرقام بين مصرف لبنان والحكومة، لا سيما لناحية إعلان رئيس الحكومة حسان دياب أن هناك تحاويل بـ5.7 مليار دولار بينما حاكم المصرف يقول أنها 5.9 مليار دولار لكنها ليست تحاويل بل في الداخل، بالإضافة إلى أن دياب يتحدث عن خسائر لدى المصرف تبلغ 7 مليار دولار في حين أن سلامة يؤكد أن ليس هناك خسائر، الأمر الذي ينبغي التوقف عنده.

على الرغم من ذلك، يؤكد غبريل أن المسؤولية الكبيرة تقع على السلطة التنفيذية، أي على الحكومات المتعاقبة، ويشدد على أنه لا يمكن لها أن تتهرب من منها وترميها على مصرف لبنان، ويذكر بأن قانون النقد والتسليف يجبر المصرف على تسليف الدولة، ويعتبر أن مسؤولية السلطة التنفيذية تكمن في منع تهريب قسم من المشتقات النفطية التي تأتي إلى مؤسسات الكهرباء عبر الحدود، وتطبيق الإصلاحات التي تعهدت بها منذ العام 2002، وعدم تحميل كل العبء للمصرف، الذي تحول بالنسبة للبعض إلى حائط مبكى يريد أمراً ما، بينما كان المطلوب الذهاب إلى السلطة التنفيذية، التي تقع عليها عاتق تأمين السلات التحفيزية وتحفيز الإقتصاد المعرفي وتخفيض العجز وتقليص النفقات وتحسين الإيرادات.

بالنسبة إلى كلام حاكم مصرف لبنان عن ودائع اللبنانيين، يشدد غبريل على وجود أزمة سيولة وثقة لم يعالج أي جزء منها منذ شهر أيلول الماضي، لا بل هي تفاقمت مع بدء الإنتفاضة الشعبية في السابع عشر من تشرين الأول الفائت، بينما السلطة التنفيذية، سواء الحكومة الحالية أو السابقة، لم تقم بأي إجراء عملي لتعزيز الثقة يقنع المواطن العادي والمراقب.

بالتزامن، يلفت أبو سليمان إلى أن حديث حاكم مصرف لبنان عن تحرير الودائع بالدولار على أساس سعر السوق، لمنع إنخفاض القيمة الشرائية لدى المودع، ويسأل: "ألم تنخفض القيمة الشرائية لدى المودع بالليرة ولدى من لا يملك أي حساب في المصارف"؟، ويشير إلى أن مسؤولية سلامة حفظ سلامة النقد، وليس فقط حفظ القدرة الشرائية لدى فئات من المواطنين.

إنطلاقاً من ذلك، يعتبر أبو سليمان أن سلامة قدم اليوم ما يشبه المرافعة، التي تتضمن إلقاء اللوم على الحكومات المتعاقبة، ويلفت إلى أن حاكم مصرف لبنان اعترف بالتمويل لكنه اعتبر أن الفساد والهدر لدى السلطة التنفيذية، وبالتالي بعد مطالبته بالتدقيق يطالبها هو أيضاً بالتدقيق.

في المحصلة، يمكن القول أن حاكم مصرف لبنان أعاد رمي الكرة في ملعب الحكومة، ليس من منطلق تحميلها مسؤولية الوضع الراهن بل على أساس أنها مسؤولة عن المعالجة، فهل يقود ذلك إلى تهدئة التوتر الحاصل بين الجانبين أم يقود ذلك إلى المزيد من التصعيد؟.