لم يعد هناك من شك في ان الخطة الاقتصادية-المالية الرسمية، ستكون عرضة ل​اطلاق نار​ عشوائي من قبل الغالبية من الاحزاب والتيارات السياسية اكانت موالية ام معارضة، حتى قبل اعطائها الفرصة بعد ابصارها النور لتضع لمساتها الاولى على تنفيذ البنود الواردة ضمنها.

اما سبب اطلاقالنار عليها من المعارضة، فيكمن في ان نجاح الخطة او حتى قبولها دولياً، سيضرب صورة المعارضين وكل ما قالوه في الفترة الاخيرة عن عمل العهد و​الحكومة​ والجهد الرسمي لوضع خريطة طريق تهدف الى اصلاح الامور في ​لبنان​ وعودة القطار الى مسار سليم. واما معارضة بعض المؤيّدين والموالين، فتعود الى الخوف والقلق من عدم نجاح الخطّة، ما سينعكس سلباً عليهم امام الرأي العام، لذا يعملون من ​باب السلامة​ الشخصية، على انتقاد الخطة والحث على وضع بنود وامور اضافية، فقط من باب تسجيل مواقف شعبية يعتبرون انها ستثمر في المدى المنظور.

وفيما يعتبر ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة ​حسان دياب​ ان الحكومة قامت بما عليها من خلال مشاركة ​المجتمع المدني​، ولو بالحد الادنى في الخطة المذكورة، فقد اثبتت الوقائع انه لا يمكن ارضاء هذا المجتمع لانه مكوّن من فئات وشرائح مختلفة ومتعددة. فإذا رضي طرف اعترض طرف آخر، لندخل في دوامة مقفلة لا مخرج منها.

ووفق توقعات العديد من المتابعين، فإن الخطة بذاتها لن تنجح رغم البنود الواعدة الموضوعة في صلبها، لاسباب تتعلق بوضع لبنان الداخلي الذي لا يسمح بحصول اصلاح جذري ومحاربة شفّافة للفساد، وان اقصى ما يتم الطموح اليه، هو ردم الهوة التي اتسعت بفعل ​الفساد​ والهدر، (اي محاولة التخفيف منه وليس القضاء عليه) بما يؤدي الى "ترقيع" الامور فنخرج من الازمة المستفحلة لنعود الى ازمة "مضبوطة" قدر الامكان، تعيد الهواء الى رئة اللبنانيين بعد ان حرموا منه لاشهر عدة وادى الى استفحال ازمتهم ومعاناتهم.

ولكن القلق والحذر الكبيرين اتيا من الشارع الذي شهد "تفلتاً" غير مسبوق في الآونة الاخيرة، ما حدا بالعديد من القوى الخارجية الى التنبيه منه بعد ان كانت تشجع التحركات الشعبية و"تغض النظر" عن بعض التعديات التي وصلت سابقاً الى حد تكسير واجهات مصارف واحراق ماكينات الاموال الآلية، والاعتداء على مواطنين والوقوف في وجه ​القوى الامنية​.

لكن الخوف اليوم بات اكبر على ما يبدو، بدليل المواقف القوية الصادرة عن الدول الغربية التي كانت حاسمة لجهة عدم موافقتها على ما يحصل من اعتداءات وتعديات على ​الجيش​ والقوى الامنية، لانها تدرك تماماً ان اي تفلّت على هذا المنوال، من شأنه ان ينعكس سلباً على الوضع في لبنان ككل، وليس على فئة دون اخرى، ناهيك عن الوضع في المنطقة.

هذا الامر كان لافتاً لانه ادى بشكل غير مباشر، الى انطباع ان هذه الدول غير رافضة لما يحصل من جهود على الصعيد الاقتصادي، بعد ان نوّهت واشادت بالجهود الرسمية على الصعيد الصحي والطبي في مواجهة وباء ​كورونا​. واذا صحّ وجود هذه الرسائل، فهذا يعني اننا نسير على الدرب الموضوع لاستعادة الوضع الذي كنا عليه قبل الازمة الاقتصادية والصحية، وهو وضع ليس بالمثالي الا انه افضل مما نحن عليه اليوم، ويرضي الجميع لانه يقوم على ​سياسة​ "الترقيع" الشهيرة التي ترضي الجميع انما بنسب مختلفة، مع الاشارة الى انه ومن باب ​تحقيق​ "صدمة ايجابية" قد نشهد بعض الحركة على الصعيد القضائي التي ستطال بعض المناصب الصغيرة.