قد يظن الكثيرون أن من المبكر الحديث عن معركة ​رئاسة الجمهورية​ المقبلة، لا سيما أن ​الرئيس ميشال عون​ لا يزال في العام الرابع من ولايته التي تمتد 6 سنوات، لكن بعض القوى السّياسية بدأت تضعها على رأس قائمة الأولويّات، مع العلم أنّ هناك من بدأ التحضير لها بعد أشهر قليلة فقط من حصول الانتخاب.

وصل عون إلى الرئاسة على وقع تسوية مع كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، قبل أن يلتحق بها رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ من دون أي تفاهم مسبق مع "​التيار الوطني الحر​"، في حين أن من ضمن قوى ٨ آذار لم يبقَ إلا "​حزب الله​" في موقع الداعم له من القوى الأساسيّة، بعد أن تخلّى عنه كل من رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ ورئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​.

لاحقا، بدأت دعائم هذه التسوية بالتداعي تباعا، وصولا إلى انهيارها بشكل تام مع استقالة الحريري على وقع التحرّكات الشعبيّة التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، بعد أن انتقل كل من جنبلاط وجعجع إلى الضفّة المعارضة، ومعهما بري وفرنجية، ليبقى "حزب الله" وحده في الموقع الداعم، بعد أن كان أمينه العام ​السيد حسن نصرالله​ قد وضع خطا أحمرَ أمام أي محاولة لإسقاط العهد.

وفي حين يبدو من المستحيل إسقاط العهد، في ظل التركيبة الطائفيّة في البلاد، التي حالت دون تحقيق هذه الغاية في عهد الرئيس السابق إميل لحود عندما كانت قوى ​14 آذار​ في أوج قوتها، يبدو أن العنوان الأساسي لكل هذا هو رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب ​جبران باسيل​، حيث تعتبر القوى السّياسية المعنيّة به أنّ عهد عون بات في نهايته، بينما المطلوب قطع الطريق أمام باسيل بشكل نهائي.

قبل أشهر قليلة، كان رئيس "التيار الوطني الحر" هو المرشح الأبرز، فهو صاحب أكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة ويملك تحالفا متينا مع الحزب، ولديه علاقة شبه ممتازة مع الحريري، وبالتالي لم يكن هناك من منافس جدّي له على هذا الصعيد، إلا أنه بعد السابع عشر من تشرين الأول الماضي بدأ المشهد في التبدل، فباسيل كان الهدف الأول لهتافات المتظاهرين في الشوارع، عن حقّ أو عن غير حقّ، ويواجه تكتّلا سياسيا معارضا يعتبره الحاكم الفعلي والمسؤول الرئيسي عما وصلت إليه البلاد.

بالتزامن، لدى تلك القوى السّياسية قناعة بأنّ باسيل لا يمكن له أن يستند إلى تجربة عون في الرئاسة ليقدّم نفسه مرشّحا جدّيا، نظرا إلى أنّها ترى أن هذه التجربة فشلت في منع وصول البلاد إلى مرحلة الانهيار المالي والاقتصادي، من دون تجاهل حالة الصدام التي تعيشها مع معظم القوى المحلّية، بالتزامن مع شبه قطيعة مع قوى إقليميّة ودوليّة فاعلة على الساحة المحليّة.

البعض داخل تكتّل القوى المعارضة لباسيل، كمرشّح لرئاسة الجمهورية، بدأ يهمس بسقوط نظريّة الرئيس القوّي، أيّ تلك التي خاض على أساسها معركته الرئاسّية قبل نحو ٤ سنوات، إلا أنه لا يستطيع أنْ يجاهر بذلك علنا، خوفا من تداعيات سلبيّة في الشارع المسيحي يستفيد منها رئيس "التيّار الوطني الحر"، لا سيّما أن حزب "القوات اللبنانية" كان قد ذهب إلى تبنّيه، لكن في المقابل بدأت تسجّل حركة لافتة لبعض المرشحين الذين يُصنّفون في الخانة الوسطيّة.

هذا الواقع، أيّ المعركة الرئاسّية المقبلة، على رغم أهمية الأزمتين الماليّة والإقتصاديّة، بات من الضروري أن تبقى حاضرة في الأذهان في قراءة المشهد المحلّي، حتى ولو كان هناك من يراه معقّدًا أكثر من ذلك بكثير، ويصل إلى حدود إعادة النظر في كل التركيبة القائمة منذ ​إتفاق الطائف​، نظرا إلى أن الطرح الأخير هو في الأصل جزء اساسي من هذه المعركة.

في المحصلة، الأشهر المقبلة ستكون حبلى في التطورات، لا يملك فيها المرشح باسيل إلا الرّهان على نجاح تجربة حكومة حسّان دياب، التي يحاول دائما التنصّل من مشاركة تياره فيها، بالإضافة إلى دعم "حزب الله" الحاسم، في المقابل ستسعى القوى المعارضة له إلى محاولة افشالها بأيّ طريقة، ولكن تبقى معادلتان أساسيتان: هل يوافق جعجع على إسقاط نظريّة الرئيس القويّ وكيف سيتعامل "حزب الله" مع هذا الصراع، من دون تجاهل أنّ الساحة المحلّية قد تشهد تحوّلات في أيّ وقت، فقبل انتخابه لم يكن أحد يتوقع وصول عون إلى رئاسة الجمهوريّة.