أدى النظام المصرفي في ​لبنان​، دوراً أساسياً في ​الإقتصاد​ الوطني، حيث لا تزال المصارف مهيمنة على النظام المالي للبلاد، وكانت المموّل الأكبر للأفراد والمؤسسات. وهنا يلفت باحث في التاريخ والعلاقات الدولية الى أن ​الجمهورية​ اللبنانية، كانت مرتبطة مالياً ب​فرنسا​ قبل ​الإستقلال​ في العام 1943، ثم أضحى النظام المذكور، أشبه بمركز تحويل أموال “البترودولار”، أي دول ​الخليج​، في عملياتهم التجارية مع الخارج، بالتزامن مع نشاط خط “الترانزيت” من لبنان في إتجاه ​العراق​ والخليج، مروراً في ​الأراضي السورية​. وبعد الوحدة بين مصر وسورية في العام 1958، ثم تسلم ​حزب البعث العربي الإشتراكي​ الحكم في سورية في العام 1963، هاجر الجزء الأكبر من رساميل التجار السوريين الى لبنان، هرباً من التأميم، وهو مصطلح، يعني نقل ملكية قطاع معين إلى ملكية ​الدولة​، أي تحويله إلى ​القطاع العام​، وهي مرحلة مرت بها الدول المستقلة، أيام الاستعمار في إطار عملية نقل الملكية، وإرساء قواعد السيادة، بحيث قامت الدولة بإرجاع ملكية ما يراد تأميمه إلى نفسها، غير أن المفهوم الأوروبي الجديد، يعني استعادة الشركات ​العالم​ية الضخمة من أيدي ​رجال الأعمال​ ووضع الدولة قبضتها عليها، حتى لا يصبح اقتصاد فرنسا مثلا او ​ايطاليا​ او ​ألمانيا​ تحت رهينة بعض من كبار المليارديرات في هذه الدول.

بالعودة الى مسالة تطور النظام المصرفي اللبناني، فقد أدى إنتقال الرساميل المذكورة آنفاً الى البلد، الى نشوء برجوازية لبنانية حديثة من أصول سورية و فلسطينية. ويشير الباحث الى أن بعد وصول البعث الى الحكم في الجارة الأقرب، لم تسمح النخب السورية، بقيام ​منظومة​ مالية رأسمالية، تتحكم بمفاصل الإقتصاد الوطني السوري، كما هو الوضع في لبنان، وذلك بهدف حماية قطاعات الإنتاج (​الصناعة​ و ​الزراعة​) من أي شكلٍ من أشكال الإحتكار والمضاربة، على حساب حياة المواطنين، الأمر الذي دفع الى انتقال هذه “الرأسمالية” الى لبنان، كما ورد آنفاً، ودائماً وفقاً لقراءة الباحث.

وفي سياق المتابعته لتطور هذا النظام عبر العقود الزمنية الفائتة، يشير الباحث، الى أن الأموال الخليجية، بدأت بالضمور في ​المصارف اللبنانية​، منذ بداية نشوء مصارف تجارية في ​دول الخليج​ في سبعينيات القرن الفائت، ويشكل النظام المصرفي في دبي اليوم أكبر الأنظمة المصرفية العربية. لذلك، يعتبر الباحث أن لا مصلحة إماراتية، بإعادة قيام النظام المصرفي اللبناني.

أمام هذا الواقع، خصوصاً فقدان الثقة بالمصارف اللبنانية، يجزم الباحث أن ليس أمام لبنان وسيلة، لتخفيف أعباء ​الأزمة​ الإقتصادية التي يرزح تحتها، إلا الانفتاح على سورية، وإعادة تطوير العلاقات معها، خصوصاً لجهة عقد تفاهمات إقتصادية، تصب في مصلحة البلدين، كما جاء في معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الموقعة في أيار 1991. ولا يستبعد الباحث أن يتحول لبنان بالنسبة لسورية، الى حال يشبه “هون كونغ” بالنسبة للصين من الناحية الاقتصادية، إذا كان لدى المسؤولين المعنيين في لبنان جرأة التسليم بالمصالحة مع الجغرافيا على حد قوله. أي قد يشكل لبنان بنظامه الاقتصادي والمالي الحر، نافذة مالية – إقتصادية لسورية على العالم، وهي في حاجةٍ الى ذلك، للإسهام في الخروج من أزمتها، ويستفيد لبنان من التحويلات المالية السورية، كذلك تبادل المنتوجات الزراعية والصناعية بين البلدين، لكن الأمر متوقف على مبادرة المعنيين في لبنان الى إتخاذ هكذا خطوة، والإ نحن ذاهبون الى مجاعة 1914، على حد تعبيره، يختم الباحث.

وفي هذا الصدد، يعتبر باحث في أحد مراكز الدراسات في ​برلين​، أن إعادة تطوير العلاقات السياسية بين البلدين، لن تحل الأزمتين الإقتصاديتين فيهما، خصوصاً الأزمة اللبنانية، لافتاً بحسب معلوماته إلى أن العلاقة قائمة من “تحت الطاولة”، على حد قوله. كذلك فأن بعض المنتوجات الصناعية والزراعية السورية تدخل لبنان عن طريق معابر التهريب، إنطلاقا من هنا، تعلو أصوات التجار المحتكرين للمنتوجات المذكورة، المطالبة بقفل معابر التهريب بين البلدين، بذريعة مكافحة التهرب الضربي، ودائما بحسب رأي الباحت. وينبه من أن ​الاقتصاد اللبناني​ آيل الى “السقوط الحر”، ولا حل جزئي وموقت أمام المعنيين في البلدين المذكوريين، إلا التوجه الى التزاوج في إقتصاد البلدين، ثم تطويره نحو تشكيل كونفدرالية إقتصادية في المدى الاستراتيجي، إذا سلم المعنيون، بالإحتكام لواقع الجغرافيا. وقد يكون ولوج بداية الطريق من خلال إعادة تطوير معاهدة الأخوة والتعاون، خصوصاً الشق الاقتصادي منها، يختم الباحث.

هنا تؤكد مصادر سياسية سورية، أن التهريب يتم “غب الطلب” عادة، يعني حسب الحاجة، على سبيل المثال، يكون السوق الإستهلاكي في حاجةٍ الى مادة ​البنزين​، فيتم تهريب كمية منها. وتؤكد المصادر أن التهريب، لا يؤسس مشاريع ولا شركات إقتصادية مشتركة، معتبرةً أن الحل لتدارك إرتدادات الإنهيار المالي في لبنان، والضيق الاقتصادي في سورية، هو إنشاء سوق مشتركة بين لبنان وسورية، قد يتوسع ليشمل دول عربية أخرى لاحقاً، وهذا من دون أدنى شكل، يسهم في تأمين الإكتفاء الكامل أو الجزئي من السلع الإستهلاكية. وتلفت المصادر الى أن الطريق الأنجع لإعادة تطوير العلاقات بين البلدين، لاسيما الإقتصادية منها، هي من خلال إعادة تفعيل معاهدة الأخوة والتنسيق، التي تضمنت الغاء الرسوم الجمركية على السلع الإستهلاكية المتفق عليها. كذلك تبادل الخبرات واليد العاملة بين البلدين، تختم المصادر.

في المقابل، ترى مصادر أكادمية لبنانية، أن إقامة سوق مشتركة مع سورية في الوقت الراهن التي تتعرض فيه ل​عقوبات​ أميركية، حتماً سيرتد ذلك سلباً على الوضعين الاقتصادي والأمني قي لبنان، وسيضاعف الأميركيون مختلف أنواع الضغوط، خصوصاً الاقتصادية والأمنية على البلد، وهذا لا يتناسب مع مصلحة لبنان. وتعتبر المصادر أن الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، من المفترض أن تشكل حافزاً، لإعادة تفعيل مختلف الفطاعات الإنتاجية فيه، زراعة، صناعة، وتربية الماشية ودواجن … وفي حال بدأ يتحقق ذلك، يكون لبنان سلك الطريق في إتجاه الاقتصاد المنتج بدلا من الريعي، الى أن يصل لاحقاً الى الإكتفاء الذاتي.