بغضّ النظر عن الجهة أو الجهات التي تقف خلف دعوة رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​، رؤساء الأحزاب والكتل النيابيّة، للمُشاركة في لقاء في ​قصر بعبدا​ الأربعاء المُقبل(1)، الأكيد أنّ اللقاء المَذكور مُهمّ في هذه المرحلة. وإذا كان التفسير الرسمي للإجتماع المُرتقب، يتحدّث عن شرح مُفصّل للخُطة الإقتصاديّة-الماليّة من جانب خُبراء مُتخصّصين، وعن إستماع إلى وجهات نظر الحاضرين إزاء مَضمون هذه الخطة، فإنّ الخلفيّات والأهداف أبعد من ذلك، والنتائج التي ستتحقّق ستُعطي فكرة عن المرحلة المُقبلة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد النقاط التالية:

أوّلاً: إنّ الحُكومة تحتاج إلى غطاء سياسي داخلي لخُطّتها الإقتصاديّة-الماليّة، وإلى غطاء خارجي، وإلا فإنّ هذه الخُطة مُعرّضة للإصطدام بالعديد من المطبّات، وهي ربّما مُعرّضة للفشل. وتأمين الغطاء الأوّل يبدأ بالتأكيد من خلال إطلاع رؤساء الأحزاب والكتل السياسيّة على البرنامج الإصلاحي الذي أقرّه مجلس الوزراء والذي يتضمّن خريطة طريق مُعالجة الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة، في مُحاولة لتخفيف الإعتراضات عليها وتأمين المناخ الداخلي المُناسب لتنفيذها، بعيدًا عن الحملات السياسيّة والإعلاميّة عليها.

ثانيًا: إنّ الكثير من الإقتراحات النقديّة المُدرجة في الخُطة تستوجب إقرارها بقوانين تصدر عن مجلس النوّاب، ما يعني أنّ هناك حاجة للتصويت بشكل إيجابي من قبل أغلبيّة نيابيّة على أيّ قرارات مُستقبليّة ضُمن الإجراءات التطبيقيّة للخُطّة، وإلا فإنّ إحتمال سُقوط بعض المشاريع والخُطط تحت سقف المجلس التشريعي وارد بنسبة لا بأس بها، خاصة وأنّه تُوجد حسابات سياسيّة وطائفيّة ومناطقيّة وشعبيّة لكل عمليّة تصويت ستحصل مُستقبلاً.

ثالثًا: الدعوات لحُضور لقاء بعبدا طالت إضافة إلى رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّيورئيس مجلس الوزراء ​حسان دياب​، القوى السياسيّة الأساسيّة في لبنان بحسب تقسيمات مجلس النوّاب الحالي، والتي تتمثّل في تكتّلات حزبيّة ونيابيّة. وبالتالي، كان الهدف من اللقاء تأمين أوسع غطاء سياسي مُمكن للخُطة، من خلال دعوة مُمثّلين عن كل الكتل النيابية والحزبيّة(2)، وعلى أعلى مُستوى، قبل أن تبدأ بيانات الإعتذار عن الحُضور بالصُدور.

رابعًا: إضافة إلى شرح بُنود الخُطّة، من المُتوقّع أن يتم وضع المَدعويّن إلى القصر في صُورة الواقع الحالي، حيث لم يعد يُوجد أيّ حلّ خارج عباءة "صندوق النقد الدَولي" الذي ناشدته الحُكومة مدّ يد المُساعدة، عبر طلب مُوقّع من قبل من كل رئيس الحكومة حسّان دياب ووزير المال ​غازي وزني​، ما يستوجب عدم عرقلة الخُطّة الإصلاحيّة، تجنّبًا لسُقوط الهيكل على رؤوس الجميع. إشارة إلى أنّه بعد أن يدرس مجلس المُديرين التنفيذيّين في الصندوق الدَولي الطلب اللبناني، يُرسل وفدًا إلى لبنان للتأكّد من البدء عمليًا بالمسار الإصلاحي، لأنّه لا مُساعدات مجانيّة بل فقط مُساعدات مَشروطة بتنفيذ فعلي وجاد وحاسم للإصلاحات. وعلى خطّ مُواز، يُنتظر أن تنطلق المُفاوضات بين لبنان والجهات الدائنة في الخارج، على أمل التوصّل إلى صيغة لإعادة هيكلة الدين، ولشطب قسم منه.

خامسًا: في حين أنّ قيادات عدّة ترغب بالمُشاركة في اللقاء، فإنّ قيادات أخرى غير مُتحمّسة لذلك، إمّا لموقف مُسبق مُعارضلكامل وضعيّة الحُكم الحالي، وإمّا لإعتراضها على الخُطّة بحد عينها، والتي لم يعد من المُمكن إدخال أيّ تعديلات عليها، بعد إقرارها في مجلس الوزراء. وحجّة بعض الشخصيّات غير الراغبة بالحُضور، تنطلق من أنّ هذا التشاور كان يجب أن يحصل قبل إقرار الخُطّة وليس بعدها، بحيث صار اللقاء مُجرّد خطوة لرفع العتب وللبصم على ما جرى إقراره!وبرز أمس إعلان "كتلة المُستقبل" إعتذارها عن المُشاركة-حتى بمُمثّل عنها، مُعتبرة أنّ المكان الطبيعي لهذه الإجتماعات هو المجلس النيابي، ومُنتقدة ما أسمته "مُمارسات وفتاوى سياسيّة وقانونيّة تتجاوز حُدود الدُستور لتكرّس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديمقراطي البرلماني"،الأمر الّذي ردّ عليه المكتب الاعلامي في قصر بعبدا.يُذكر أنّ باقي الكتل المَدعوّة، تتجه بدورها لإعلان مواقفها النهائيّة خلال الساعات القليلة المُقبلة، بالنسبة إلى تلبية الدعوة إلى اللقاء من عدمه، علمًا أنّ أكثر من رئيس حزب وتكتّل لن يُشارك شخصيًا في إجتماع بعبدا الأربعاء، لكن من دون أن تصل الأمور إلى حد مُقاطعة اللقاء-كما هي الحال مع التيّار الأزرق، حيث كان الإتجاه هو للمُشاركة عبر مُمثّل عن كل كتلة لكن ليس عبر حُضور رئيسها.لكن وبعد قرار "المُستقبل"، قد يضعف الحُضور التمثيلي أكثر فأكثر، إلى درجة أنّ جدوى اللقاء ككلّ ستُصبح على المحكّ، وعرضة للتأجيل والإلغاء!.

في الخُلاصة، الوضع في لبنان لا يسمح على الإطلاق بأيّ مُناكفات سياسيّة، وما لم يتمّ بالتالي توحيد الجُهود الداخليّة وشبك الأيدي للسعي للخروج من الأزمة بمُساعدة دَوليّة، عبر وضع الخطة الإصلاحيّة على سكّة التنفيذ، فإنّالإنهيار الإجتماعي والمعيشي سيطال ​الشعب اللبناني​ بكامله، وعندها النقمة ستطال كامل الطبقة السياسيّة من دون أيّ إستثناء!وبالتالي، إمّا يتمّ دعم الخطة الإقتصاديّة والماليّة-بغضّ النظر عن الشوائب فيها وعن الملاحظات عليها، وإمّا سُقوط الجميع!.

(1) تردّد أنّ المُنسّق الخاص للأمم المُتحدة في لبنان، بان كوبيتش، وسُفراء أوروبيّون، حثّوا الحُكومة اللبنانيّة على إجراء هذا الحوار.

(2) الدعوات طالت رؤساء الكتل النيابيّة التي يتمثّل فيها كل من "​حركة أمل​" و"التيّار الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" و"القوات" و"​حزب الله​" و"الإشتراكي" و"الكتائب" و"الطاشناق" و"القومي" و"الديمقراطي" و"​اللقاء التشاوري​".