صحيح انها ليست المرة الاولى التي يدعو فيها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى لقاء وطني (تجتمع فيه الموالاة والمعارضة على طاولة واحدة)، الا ان الظروف اليوم تختلف بشكل جذري عما كانت عليه من قبل، لان الوضع الحالي مصيري بكل ما للكلمة من معنى، فلا الوضع السياسي سليم ولا ​الوضع الاقتصادي​ متين ولا ​الوضع المالي​ حصين، ونحن بالفعل لا بالقول على حافة الهاوية.

حسناً فعل عون بدعوته هذه، خصوصاً وان الكثيرين راهنوا على انه سيرد -على غرار رئيس الحكومة حسان دياب- على كل من يستهدفه والحكومة. واعتبر الكثيرون ان الردّ الرئاسي سيكون قاسيا على الذين بادروا بإطلاق النار عليه وفي مقدمهم نادي "رؤساء الحكومات السابقون" و"تيار المستقبل"... ولكن الرد اتى مفاجئا وتمثل بدعوة هؤلاء تحديداً وغيرهم الى اللقاء الموسع، لانه احرجهم بالفعل ووضعهم في خانة الدفاع بدل الهجوم، ولم يرد مكتب الاعلام على "المستقبل" الا بعدما اعلن الاخير عدم تلبيته الدعوة وتوجيهه الاتهامات لرئيس الجمهورية. ان عدم تلبية المعارضين للدعوة سيضعهم في موقف حرج لانهم بذلك يكونون كمن ينتقد نفسه، فهم يطالبون اولاً باشراكهم في القرارات الكبيرة والمهمة، كما ان عدم مشاركتهم سيرتد سلبا عليهم، هم الذين يتهمون عون ودياب في كل مناسبة بالكيدية وتقديم المصلحة الخاصة على مصلحة البلاد والتعاطي معهم بطريقة الحقد الشخصي. فكيف سيفسّرون عدم حضورهم في هذا الظرف تحديداً لبحث هذه الازمة المصيرية، وظهورهم بمظهر غير المبالين بخطورة الموقف؟.

هذه الاسئلة يمكن ان توجّه تحديداً الى كتلة "المستقبل" التي وضعت نفسها في قفص الاتهام بسبب موقفها واصرارها على اللعب على وتر غير منطقي قائم على اعتبار ان العهد ينوي تحويل النظام الى رئاسي، وضرب صلاحيّات رئاسة الحكومة، والهدف منه فقط الاصرار على عودة رئيس الكتلة النائب ​سعد الحريري​ الى السراي الكبير. وتعلم الكتلة كما الجميع، ان تحويل النظام في لبنان ليس مجرد لعبة او نزهة، ودونه عوائق كبيرة محلّية وخارجيّة مرتبطة بعوامل الطائفيّة والمذهبيّة والسياسة والمصالح والمحافظة على النفوذ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتمكّن عون من الحصول على التأييد الكافي لجعل الانتخابات الرئاسيّة مباشرة من قبل الشعب، لانّه يحتاج الى توافق جميع اللبنانيين والى موافقة خارجيّة وهو ما ليس متوفراً بطبيعة الحال، فما الذي تغيّر اليوم؟ كما ان هذا الاتهام يتناقض مع تأييد الكتلة لمواقف رئيس ​مجلس النواب​ نبيه بري الذي سيكون حاضراً، كما رؤساء ​الكتل النيابية​ الذين يتشكل منهم مجلس النواب، فه ليرغب هؤلاء جميعاً في ضرب المجلس النيابي وانهاء دورهم بأنفسهم؟!.

اما في حال حضور باقي المعارضين، فسيكون الاحراج سيد الموقف لانهم اولاً سيكسرون كل ما قالوه عن العهد والحكومة وسيعترفون -من حيث لا يريدون- بعدم فشلهما في التعاطي مع ازمات البلاد. وقد يكون رد المعارضين من خلال معارضتهم الخطّة والكثير من بنودها، والخروج للاعلان عن فشلها المسبق، انما هذا الأمر لن يوقف مسيرتها لان بقاءها على قيد الحياة او موتها مرهون فقط بالخارج، والمفاوضات التي تحصل مع الدول والدائنين و​صندوق النقد الدولي​، وليس مع اللاعبين المحليين على الساحة الداخلية.

اضافة الى ذلك، لم يعد خيار اللجوء الى الشارع للمعارضة مُتاحاً، على الاقل في الوقت الراهن، بعد صدور سلسلة مواقف دوليّة ابدت قلقها وخوفها مما حملته المظاهر الاخيرة من عنف واستهداف للقوى الامنية والجيش، وهو امر بالغ الخطورة ويهدد بسقوط الحجر الاخير الصامد في هيكل الدولة حاليا، وهو الامن. وبالتالي، يجد المعارضون انفسهم امام وضع حرج، ولن يكون امامهم سوى الحضور والخروج برفض الخطّة والامعان في التشكيك بها واظهار سيئات في متنها، وهو ايضاً رهان محفوف بالخطر لانّ نجاحها سيعني ضربة قوية لهم ولقراءتهم السياسية والاقتصادية على حد سواء، وسيجبرهم على اعادة النظر بخطابهم بشكل عام.

ليس امام المعارضين سوى التأمّل بفشل الخطة عبر رفض العالم لها، ولكن هذا يعني خطراً وجودياً بالنسبة الى لبنان ككل وليس لشريحة او طرف دون آخر، او السير على خطى "المستقبل" لناحية الاكتفاء بشد عصب مؤيديهم واللعب على الوتر الطائفي ووتر الطائف.

سيشهد الاربعاء المقبل حدثاً غير عادي في قصر بعبدا، سيساعد وباء كورونا في جعله اقل حدّة من خلال تخطّي البروتوكول والعادات القائمة على المصافحة والتقارب، ومن المرجّح ان يرسّخ الشرخ الكبير بين العهد والحكومة من جهة والمعارضة من جهة ثانية، الا انه سيُحسب نقطة لصالح عون، اياً كانت نتيجته وسيجبر المعارضة على وضع مقاربة جديدة للتعاطي، تأخذ بالاعتبار كل المتغيّرات.