بعد تصنيف ​ألمانيا​ "​حزب الله​" "مُنظّمة إرهابيّة"، إستدعى وزير الخارجيّة ناصيف حتّي السفير الألماني في ​لبنان​ جورج بيرغلن، للإستيضاح منه عن المَوضوع، وخرجت أصوات مُندّدة من دول وجماعات مُصنّفة في خانة "محور المُقاومة"، حيث قلّلت هذه الأصوات من أهمّية الخُطوة المَذكورة، مُعتبرة أنّها تدخل في سياق الحملات الأميركية-ال​إسرائيل​يّة المَفتوحة ضُدّ "الحزب". لكنّ أهميّة القرار الألماني كبيرة، وخُطورته واضحة لأسباب عدّة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: إنّ ألمانيا لعبت في أكثر من مرحلة في السابق، منها مثلاً خلال العامين 2004 و2007، دور الوسيط بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، لإتمام عمليّات تبادل لأسرى ولجثامين عرب وإسرائيليّين، برعاية أمميّة. وبالتالي، إنّ تحوّلها إلى طرف في الصراع الغربي مع "الحزب"، يُمثّل تغييرًا كبيرًا له دلالات عدّة على أكثر من مُستوى.

ثانيًا: تضمّ ألمانيا جالية لبنانية كبيرة، يُشكّل أبناء الطائفة الشيعيّة نسبة أساسيّة فيها، وبالتالي بعد قرار الحَظر، يُنتظر أن تُضيّق السُلطات الألمانيّة الخناق على كل الأشخاص اللبنانييّن الذين تعتبرهم مُشبوهين، لجهة تمويل "الحزب" أو مدّه بمعلومات إستخباريّة، إلخ. إشارة إلى أنّ مُداهمات عدّة نُفّذت في ألمانيا خلال الأيّام القليلة الماضية، مع توقّع إستمرارها في المرحلة المُقبلة، حيث تردّد أنّ لائحة المُشبوهين بالنسبة إلى السُلطات الألمانيّة تضمّ ما لا يقلّ عن ألف شخص لبناني. وبالتالي، إنّ التطمينات التي أرسلها "الحزب" لأبناء الجالية، لا تُبدّل واقع أنّهم صاروا تحت المُراقبة الدقيقة، بحيث أنّ من شأن إرتكاب أيّ مُخالفة للقوانين الألمانيّة المُستحدثة، أن تتسبّب بإبعادهم فورًا ما لم يكن بسجنهم!.

ثالثًا: إنّ الخُطوة الألمانيّة تأتي بعد خُطوات مُتشدّدة مُماثلة من دول مُختلفة، منها ​بريطانيا​ و​الأرجنتين​ مثلاً، وهي ستفتح الباب أمام تحوّل مُماثل في مواقف العديد من الدول الأوروبيّة التي كانت لا تزال حتى الأمس القريب تفصل بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب. وبالتالي، من المُتوقّع أن تشهد الأشهر المُقبلة المزيد من التشدّد والتضييق على مُختلف أنشطة مُناصري ومُؤيّدي "حزب الله" في كامل دول ​الإتحاد الأوروبي​. والمسألة لا تقتصر على مُكافحة أيّ نشاط أمني أو إستخباري، إنّما تشمل مُختلف الأنشطة السياسيّة والإعلاميّة الداعمة للحزب، وكذلك مُختلف الأنشطة ​الإقتصاد​يّة والماليّة المُموّلة له.

رابعًا: إنّ إستمرار الحملة الأميركيّة المَفتوحة على ​إيران​، بالتزامن مع تراجع أسعار ​النفط​ الخام، وتضرّر الإقتصاد العالمي بفعل أزمة وباء "​كورونا​" أثّر سلبًا على الدعم المالي الذي يتلقّاه "الحزب". ومع كل تضييق جديد على أنشطته، إن في الدول الأوروبيّة أو الإفريقيّة، يتراجع حجم التمويل الخارجي الذي يناله، والذي يُعتبر ضروريًا جدًا للحفاظ على القُدرات العسكريّة الميدانيّة وعلى الجُهوزيّة اللوجستيّة، وخُصوصًا على الدعم الشعبي المُؤازر.

خامسًا: إنّ التشدّد العربي، وخاصة العالمي، إزاء "حزب الله"، سيكون له تأثير مُباشر على مُفاوضات الحُكومة اللبنانيّة مع صُندوق النقد الدَولي. وحديث أمين عام "حزب الله" السيّد ​حسن نصر الله​ عن ضرورة نقاش أيّ إتفاق مع ​صندوق النقد​ في الحُكومة، وكذلك تشديده على أن "لا نقبل تسليم رقابنا لصندوق النقد"، يُمثّلان خُطوة إستباقيّة لما يُمكن أن يحصل، باعتبار أنّ مُساعدات الصندوق،والتي غالبًا ما تُغلّف بطابع إقتصادي مالي، تُخفي أحيانًا في طيّاتها أمورًا سياسيّة ومطالب بخلفيّة أمنيّة، تضعها ​الدول المانحة​. من هنا، يخشى "الحزب" أن تُرفق المُساعدات الماليّة المُنتظرة-على شكل قروض وليس هبات، بمطالب مثل السيطرة كليًا على كل المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، ومراقبة كل الواردات عبر ​المطار​ والمرفأ والمعابر البرّية من دون أيّ إستثناءات للمُقاومة أو غيرها.

في الخُلاصة، صحيح أنّ خطوة حظر أنشطة "حزب الله" على الأراضي الألمانيّة، تُعتبر معركة ضُمن الحرب الشاملة على "الحزب"، وهي لا تُغيّر المُعادلات القائمة منذ مدّة، لكنّ الأصحّ أنّهاستزيد بالتأكيد الخناق المالي إشتدادًا على "محور المُقاومة".والخشية كبيرة من أن تتحوّل مسألة مُساعدات "صندوق النقد الدَولي" المُرَاهن عليها من جانب الحكومة اللبنانيّة، إلى مادة سجال داخليّة جديدة، وإلى مادة صراع إضافيّة بين إيران و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وذلكفي حال رفض "حزب الله" الشروط المُرافقة لها، بحيث تطير المُساعدة الماليّة الدَوليّة المُنتظرة للبنان، وتتبخّر معها الآمال على الخُطة الإقتصاديّة-الماليّة!.