لا يمكن النظر إلى "​اللقاء الوطني​ المالي"، الذي عقد يوم أمس في ​القصر الجمهوري​ في بعبدا، على أساس أنه اجتماع مالي اقتصادي فقط، نظراً إلى أن السياسة هي التي سيطرت على قرار المشاركة من عدمها، بالنسبة إلى مختلف الشخصيّات التي كانت مدعوّة لهذا الاجتماع، سواء كانت تنتمي إلى قوى الأكثرية النيابية أو إلى الكتل المعارضة التي كان لكل منها قرارها المستقل، في ظل غياب أيّ إطار تنسيقي، ولو بالحد الأدنى، بين حلفاء الأمس.

في هذا السياق، كان رئيس "​تيار المردة​" النائب السابق ​سليمان فرنجية​ الوحيد الذي غرّد خارج سرب قوى الأكثرية النيابية، بقراره عدم المشاركة بعد أن تبلغ من دوائر القصر الجمهوري أنّ الدعوة شخصيّة، وبالتالي لا يستطيع أن يرسل النائب فريد هيكل الخازن كممثّل عنه، الأمر الذي لا يمكن أن يفسّر إلا في سياق المواجهة التي يخوضها مع "​التيار الوطني الحر​" منذ تاريخ الانتخابات الرئاسيّة.

هل كان فرنجية على حق في موقفه؟ من وجهة مصادر سياسية مطلعة أخطأ رئيس تيار "المردة" في الحسابات، لا سيما بعد قرار رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ المشاركة شخصياً في اللقاء، على الرغم من موقفه المعارض للعهد وللحكومة معاً، بينما فرنجية شريكاً على طاولة ​مجلس الوزراء​، وتشير إلى أن جعجع أدرك، بطريقة أو بأخرى، أنه لا يستطيع أن يكون شريكاً في مساعي إضعاف موقع الرئاسة الأولى، نظراً إلى أن لذلك تداعيات كبيرة على الساحة المسيحية من الممكن أن يستفيد منه "التيار الوطني الحر"، في ظلّ الحديث الدائم عن معركة صلاحيّات مع ​رئاسة الحكومة​، بحسب الشعارات التي يرفعها تيار "المستقبل" ورؤساء الحكومة السابقين.

انطلاقاً من ذلك، تعتبر هذه المصادر أنّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" أخذ القرار الأفضل بالنسبة إليه، فهو نجح في التأكيد مسيحياً بأنه لا يقبل بالمشاركة في أي مساعٍ لإضعاف رئاسة الجمهورية، بغضّ النظر عن العلاقة المقطوعة مع الرئيس ميشال عون، وأعاد تأكيد وجهة نظره من أيّ تكتل معارض لحلفائه المفترضين، "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" وتيار "المستقبل"، خصوصاً أن رئيس "الاشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ كان قد استبق اللقاء بزيارة إلى ​قصر بعبدا​، والتقى رئيس الجمهورية، على قاعدة تنظيم الخلاف مع "التيار الوطني الحر".

في هذا الإطار، من المفيد التذكير بأنّ جنبلاط لم يكن قد ذهب إلى خيار مقاطعة اللقاء، حيث كان من المقرر أن يرسل عضو "​اللقاء الديمقراطي​" النائب ​هادي أبو الحسن​ كممثل عنه، الأمر الذي يتماهى مع موقف رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، الذي كان ينوي المشاركة عبر ممثل عنه هو النائب نقولا نحاس، لكن رئيس "الاشتراكي"، بعد تبلغه بأنّ الدعوة شخصيّة، اعتذر لارتباطه بموعد سابق، من دون أن يدخل في أيّ مواجهة مع رئاسة الجمهورية.

أمام هذه المعطيات، من الضروري العودة إلى موقع تيار "المستقبل" من هذه المعادلة الجديدة، بعد أن عمل كل من جعجع وجنبلاط على تنظيم خلافاتهما مع العهد، انطلاقاً من حسابات كلّ منهما الخاصة على ما يبدو، فرئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ يبدو وحيداً في قراره الدخول في المواجهة المفتوحة، بحسب ما ترى المصادر نفسها، حيث لم ينجح في تأمين أيّ حليف أساسي يقف إلى جانبه في وجهة النظر التي يتبنّاها، بينما كان أمامه فرصة ذهبيّة ليعيد فتح قنوات التواصل مع الرئاسة الأولى، ولو بصورة غير مباشرة، أضاعها بفتح معركة كان الهدف منها الكسب الشعبي في البيئة السنّية، حيث المواجهات الكبرى التي يخوضها على أكثر من جبهة.

في المحصّلة، أثبت "اللقاء الوطني المالي" أنّ الكتل النيابية المعارضة لم تنجح، حتى الآن، في الاتفاق على أيّ قواسم مشتركة فعليّة، حيث لا يزال كل منها يغني على ليلاه، إلا أنّ جعجع وجنبلاط نجحا في إدارة التوازنات المرحليّة، بينما الحريري وفرنجيّة أخذا قرارات أخرى قد يكون لها تداعيات سلبيّة عليهما في المرحلة المقبلة.