شكّل حضور رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ إلى بعبدا تلبية لدعوة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ لبحث الخطة الإقتصادية الحدث السياسي في الساعات الماضية. ليس جعجع جزءاً من المنظومة الحكومية الحالية، لكنه ليس شريكاً للمعارضة السياسية التي ينتهجها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، رغم كل الحديث الذي طغى في الأسابيع القليلة الماضية عن تنظيم معارضة موحّدة بين الموجودين خارج الحكومة. لكن المطّلعين ضمنياً على موقف "الحكيم" كانوا يعرفون جيّداً أن معراب لم تكن رأس حربة ضد الحكومة. سبق وأوعز جعجع الى نوابه بعدم مهاجمتها، لا بل تميز الخطاب القواتي بهدوء نسبي لافت تجاهها، رغم موقف معراب من العهد و"حزب الله". يقول المطّلعون أنفسهم أن شروط جعجع الصعبة هي التي افشلت خطة قيام جبهة معارضة للحكومة يتزعّمها الحريري. لماذا لم يقف "الحكيم" في صف "بيت الوسط"؟.

أولاً، يعرف جعجع ألا وجود لدعم ولا لإحتضان عربي خليجي حالي لأي خطوة سياسية لبنانية. فالمعلومات تتحدث عن عدم اكتراث القيادة السعودية بمستجدات لبنان لا المالية ولا السياسية، بينما تنشغل الإمارات بتطورات سوريا ولا تهتم للتفاصيل اللبنانية. مما يحرم أي خطوة معارضة من الحضانة السياسية والدعم المالي المفترض.

ثانياً، لن يكرّر "الحكيم" تجارب "فاشلة" في مواجهة جبهة لبنانية تُمسك بزمام المبادرة في لبنان والإقليم، في وقت ضائع عالمياً.

ثالثاً، سبق وإلتزم جعجع بحلفائه لكنهم "باعوا الحلف" من خلال تسويات كالتي حصلت بين الحريري والنائب جبران باسيل. يومها صارت "القوات" خارج الحسابات في بيت الوسط، فلماذا يُبقي جعجع وفاءه لأحلاف مرحلية؟ ومن يضمن ألا يكرّر "الشيخ سعد" تسوية مشابهة على حساب "القوات"؟ خصوصاً أنّ العلاقة بقيت متوترة بين الفريقين منذ إحتجاز الحريري في السعودية وما رافقها وتلاها من اتهامات زرقاء لمعراب بأنها لم تكن إلى جانب رئيس "المستقبل".

رابعاً، لمس "الحكيم" بعد اللقاء بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، الذي حصل على مائدة إفطار "بيت الوسط"(رغم نفي "الشيخ سعد")، ثم زيارة رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط إلى ​قصر بعبدا​، بأنّ كلّ فريق يبحث عن مصالحه بمعزل عن الآخر. فلماذا تكون "القوات" وحدها كبش فداء في كل مرحلة؟.

خامساً، أراد جعجع أن يمتطي صهوة الجواد السياسي الذي يقوده الى الدفاع عن الموقع الماروني الأول في الجمهورية، وفي الوقت ذاته يُقدّمه رجلَ دولة يفصل بين الخلاف التكتيكي السياسي من جهة، وموقع الرئاسة وطبيعة المرحلة الإقتصادية الصعبة التي تتطلّب علاجاً من جهة أخرى.

سادساً، يعرف "الحكيم" أن اللبنانيين يريدون حلولاً معيشية لا مزايدات سياسية لم تعد تنفع. فإذا نجحت الحكومة سيكون شريكاً في وصفة النجاح، وإذا فشلت سيطرح نفسه شريكاً في صنع الإنقاذ الذي سيلي الوضع الحالي.

سابعاً، حيّد جعجع "القوات" من أي تموضع سياسي مقبل قد يجر فوضى في المرحلة الآتية، لأنه ثبّت في حضوره إلى بعبدا التمايز عن كل القوى، والتموضع ضمن وسطية سياسية ظاهرة.

ثامناً، أظهرت خطوة "الحكيم" أنه معجب بأداء رئيس المجلس النيابي نبيه بري فعلاً لا قولاً فحسب. وكما نجح بري في إمساك اللعبة السياسية مجدداً بعد هجوم ممنهج حصل على عين التينة بضراوة في الأسابيع الماضية ليتبيّن بعدها أنّ دور "الاستاذ نبيه" ريادي من دون أيّ تراجع، يريد جعجع أن تبقى معراب فاعلة سياسياً، كي لا تغيب عن الدور في مرحلة حسّاسة.

كل ذلك، لا يعني أن "الحكيم" طلّق ثوابته ولا موقعه السياسي، بدليل المضي بالتصويب على اتجاهين: الكهرباء والتهريب على الحدود. مما يعني انه يقصد التيار "الوطني الحر" المعني بوزارات الكهرباء منذ سنوات، و"حزب الله" الذي يحمّله حزب "القوات" مسؤولية عدم السماح بضبط الحدود مع سوريا. ومن هنا يكون "الحكيم" حاضراً في المعارضة، غير بعيد عما يجري في المحطات المفصيلة كلقاء بعبدا، قادراً على التعاطي مع كل القوى بمرونة رغم الخصومات السياسية. والأهم أن خطوة جعجع أطاحت نهائياً بكل التموضعات السياسية التي حصلت في لبنان منذ عام 2005، يعزّز تلك الإطاحة غياب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي كان من المفترض أن يلتقي في الأسابيع الماضية مع جعجع. فأي تحالفات آتية؟ المشهد ضبابي ولن يتّضح على الأقل قبل معرفة مسار الأزمة الإقتصادية.