أكّد رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ أمام زواره، أنّ "التفاوض مع "​صندوق النقد الدولي​" ضروري لتعزيز فرص الخروج من نفق الأزمة، وربّما سيكون علينا أن نتقبّل بعض الشروط القاسية الّتي قد يطرحها الصندوق مقابل مساهمته الماليّة، ليس لأنّ تلك الشروط يطرحها هو، بل لأنّها تخدم مصلحة الدولة ال​لبنان​ية وتدفعنا في اتجاه اتخاذ قرارات مؤجّلة".

ولفت إلى "أنّنا سنطرح على الصندوق و​المجتمع الدولي​ مسألة الكلفة الباهظة المترتّبة على لبنان جرّاء ​النزوح السوري​، الّذي بلغت فاتورته علينا حتّى عام 2018، نحو 25 مليار دولار وفق أرقام دوليّة موثوقة، ُتضاف إليها الخسائر الناتجة عن توقّف ​الصادرات​ الصناعيّة عبر ​سوريا​ نتيجة الحرب، لتصبح الكلفة الإجماليّة لخسارة لبنان نحو 43 مليار دولار، ساهمت في تفاقم الأزمة الماليّة الاقتصاديّة؛ وهذا الرقم يجب أن يُلحظ خلال البحث في الحصول على المساعدات الّتي يجب أن يكون جانب منها كناية عن عطل وضرر للبنان".

وركّز الرئيس عون على أنّ "اللقاء الوطني المالي في بعبدا كان ناجحًا، وحقّق الغرض منه وهو التشاور الوطني حول الخطّة الإنقاذيّة الّتي أقرّتها الحكومة"، موضحًا أنّ "هذه الخطّة قابلة للتعديل حيث تقتضي الضرورة، وهي ستُنَاقش في ​مجلس النواب​. وبالتالي، ليس صحيحًا ما رَوّجه بعض مقاطعي اللقاء من أنّ هدفه ليس سوى البصم على الخطّة وأنّ ما كُتب قد كُتب".

وأشار إلى "أنّه لم يكن منزعجًا بتاتًا من الكلام الّذي أدلى به رئيس "حزب القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ من على منبر ​القصر الجمهوري​"، منوّهًا إلى "أنّه كرئيس للجمهورية يحترم حرية الرأي والتعبير، وبالتالي نحن لدينا مقاربتنا للأمور وجعجع له مقاربته، وفي نهاية المطاف الرأي العام هو الّذي يَحكم".

وبيّن أنّه "لم تكن لديّ أي حساسيّة حيال المواقف المعارضة للعهد الّتي أطلقها جعجع من القصر. وللعِلم، نحن في العائلة عندما نجتمع معًا ونتناقش حول أمور معيّنة، ينتقد أحدنا الآخر ونختلف في ما بيننا، لأنّ الاختلاف في وجهات النظر هو عامل صحي، شرط أن يبقى ضمن قواعد الاحترام المتبادل". أمّا بالنسبة إلى الإجراءات الإصلاحيّة الّتي اقترح جعجع المباشرة بها حتى تكتسب الدولة صُدقيّة أمام الداخل والخارج، فكشف عن أنّ "العمل جار على تطبيقها تِباعًا، سواء في ما يتعلّق منها بالمعابر غير الشرعيّة أو ​الجمارك​ أو ​الكهرباء​". وأفاد بأنّ "أوراقًا عدّة قُدّمت خلال اجتماع رؤساء ​الكتل النيابية​ في بعبدا، وبعضها يتضمن أفكارًا جيّدة يمكن اعتمادها، إنّما هناك ورقة واحدة أعتبر أنّها متكاملة ويمكن الأخذ بها بالكامل، لكنّني لن أفصح عن اسم صاحبها".

وردًّا على اتهامه باعتماد النظام الرئاسي في سلوكه، أعرب الرئيس عون عن استغرابه هذا الاتهام، مشدّدًا على أنّ "ما يفعله هو ملء الفراغ ليس إلّا، واستخدام صلاحيّات مكرَّسة في ​الدستور​ وكان رؤساء الجمهورية السابقون لا يطبّقونها". وفسّر أنّ "على سبيل المثال، عندما قدّم رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ استقالته، امتنع عن التعاون وتصريف الأعمال. وحين دعوتُ لانعقاد ​مجلس الدفاع الأعلى​ مرّتين في تلك الفترة لمناقشة ​الوضع الأمني​ ونمط التعامل مع ​الحراك الشعبي​، رفضَ الحريري أن يتجاوب مع الدعوة. فهل كان المطلوب منّي أن أقف مكتوف اليدين أو أن أتحمّل مسؤوليّاتي الوطنيّة والدستوريّة كما حصل؟".

وحول تفسيره لامتناع الحريري وآخرين عن حضور لقاء بعبدا، رأى أنّ "هذه المقاطعة تعكس انزعاج البعض من كون الأمور "ماشية" وتتقدّم إلى الأمام". وبيّن أنّ "العلاقة مقطوعة كليًّا مع الحريري في هذه المرحلة، ولا توجد وساطة بيني وبينه، علمًا أنّني كنت أنظر إلى سعد الحريري في اعتباره ابني، لكنّه اختار أن يبتعد وهذا شأنه"، مُستشهدًا في هذا الإطار بقصة الابن الضال الواردة في الإنجيل.

في المقابل، وَصف اللقاء الّذي جمعه إلى رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ قبل أيام بـ"الإيجابي والجيّد"، معربًا عن أمله في أن "تكون له انعكاسات مريحة على الوضع في الجبل"، ومشدّدًا على أنّ "المهم بالنسبة إليه هو تحصين التعايش في الجبل وحمايته، وصولًا إلى الفصل بين هذا التعايش وبين الاختلاف المشروع في ال​سياسة​". ورأى أنّ "من المفيد جدًّا أن يتمّ تشييد نُصب تذكاري للضحايا الدروز والمسيحيّين في كلّ قرية عانَت من أهوال الحرب، على أن تتمّ زيارة هذا الضريح من قبل أهالي القرية في كلّ عام، لتكريم الضحايا من الطائفتين واستخلاص العبَر لئلّا تتكرّر المأساة".

وجَزم بأنّه "على الرغم من كلّ الظروف الراهنة، سأسلِّم لبنان في نهاية عهدي أفضل ممّا استلمته. صحيح أنّنا نمرّ حاليًّا في مرحلة صعبة جدًّا، وأنّ اللبنانيّين يتألّمون كثيرًا جرّاء تداعيات الأزمة الاقتصاديّة الماليّة، إلّا أنّني متفائل بأنّنا سنخرج شيئًا فشيئًا من الهاوية الّتي انزلقنا إليها، وبأنّ العد العكسي في اتجاه التعافي المتدرّج سينطلق بعد فترة"، مؤكّدًا أنّ "الوضع سيكون أحسن بكثير مع حلول نهاية الولاية الرئاسية، حيث سنكون قد دخلنا في طور النقاهة بعد العمليّة الجراحيّة الّتي سنجريها لإنقاذ اقتصادنا، الّذي سيعتمد مستقبلًا بشكل أساسي على القطاعات الإنتاجيّة مثل الصناعة والزراعة". وأعلن "أنّه لا يفكر بتاتًا بالتمديد أو التجديد، وإنّ أيًّا من هذين الخيارين ليس واردًا لديه".

وفي معرض تشريح أسباب الوصول إلى حافة الانهيار الشامل، أوضح عون أنّ "هناك قوى داخليّة تَعمّدت فرملة مشاريع "التيار الوطني الحر" وعرقلتها، منذ أن كنتُ رئيسًا لتكتل "التغيير والإصلاح"، وذلك بهدف الحؤول دون تحقيق إنجازات تُحسب لـ"التيار الوطني" وتُسهّل وصولي إلى ​رئاسة الجمهورية​، فكان أن دفع ​الشعب اللبناني​ بمجمله ثمن هذه الحسابات».

واستعرض نماذج من العرقلة لخطط "التيار الوطني" في مجالَي الكهرباء و​النفط​ منذ عام 2011، مبيّنًا أنّ "هناك جهات عدّة تناوَبت على التعطيل وتَوزَّعَت الأدوار، بحيث التقت جميعها على عرقلتنا، وإن كانت تنتمي من حيث الاصطفاف السياسي إلى مواقع متباينة"، مستشهدًا في هذا السياق بتصريح أدلى به النائب ​أكرم شهيب​ إلى صحيفة "الشرق الأوسط" قبل سنوات، أقرّ فيه علنًا بأنّ فريقه تَعمّد فرملة خطّة التيار الكهربائية لأسباب سياسيّة.

إلى ذلك، لفت إلى أنّ "رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ تعرّض ولا يزال إلى اغتيال سياسي ومعنوي ممنهج، عبر إلقاء مسؤوليّة كلّ الأزمات على عاتقه، في حين أنّه هو الّذي أوجَد أفضل الحلول لها قبل سنوات، خصوصًا على مستوى ملفّي الكهرباء واستخراج النفط، لكنهم تعمّدوا وضع العصي في دواليبها". وركّز على أنّه "يكفي أنّ باسيل كشفَ كلّ حساباته المصرفية بشفافيّة تامّة، الأمر الّذي لم يفعله غيره ممّن يُوجّه إليه الاتهامات ب​الفساد​، ونحن تحدّينا الجميع في الداخل والخارج بأن يجدوا دليلًا يُثبت تورّطنا في الفساد لكن عبثًا يحاولون، ولا أحد يستطيع أن يغبّر علينا في هذا المجال".

وشدّد عون على أنّ "المعركة الّتي تُخاض ضد الفساد لا تنطلق من دوافع وأغراض سياسيّة ولا ترمي إلى الانتقام والتشفّي من أحد كما يروّج البعض، بل هي تعتمد حصرًا على الحقائق الّتي يتوصّل إليها ​القضاء​"، كاشفًا أنّ "خلال ترؤسه تكتل "التغيير والإصلاح"، زارَه مرارًا مَن يعرض عليه المشاركة في صفقات مشبوهة وقَبض الثمن على قاعدة أنّ الكل في البلد يَتدبّر أمره، فلماذا لا تفعل مثلهم؟ فما كان منّي إلّا أن أسمَعت صاحب العرض الردّ المناسب".

كما ذكر أنّ "تجربة التعاون مع رئيس الحكومة ​حسان دياب​ حتّى الآن ناجحة جدًّا"، مشيرًا إلى أنّ "دياب رصين وشغّيل، يتحلّى بالجديّة المطلوبة في العمل، ويعرف كيف يُشغّل من معه مُستفيدًا ربّما من خبرته الأكاديميّة في "​الجامعة الأميركية في بيروت​". ويمكنني أن أقول إنّ عمل هذه الحكومة خلال أشهر قليلة من عمرها يُعادل بل يفوق كل ما أنجزته الحكومتان السابقتان خلال ثلاث سنوات، وأنا مرتاح الى أداء حكومة التكنوقراط الّتي تتميّز بتضامنها وبخلوّها من السجالات السياسيّة العبثيّة الّتي كانت تستهلك الكثير من اجتماعات ​مجلس الوزراء​ في الماضي، ومن كان يتوقّع رحيلها خلال مدّة قصيرة أنصحه بأن يراجع حساباته".

وحول تعليقه على اتهامه بالتدخّل في ​التشكيلات القضائية​، لفت عون إلى "وجود شوائب في هذه التشكيلات"، مؤكّدًا أنّ "من حقّه الدستوري تصويبها إذا اقتضَت الحاجة، أمّا استقلالية القضاة فهي واجبة عليهم، وفق الدستور، عندما يكونون تحديدًا في معرض ممارسة عملهم".