من جديد، عاد تنظيم "داعش" الى الواجهة، وعادت ​واشنطن​ للإمساك بفزّاعة التنظيم بوجه سورية و​العراق​.. لم يترك الهجوم "الداعشي" مؤخرا على مواقع ​الحشد الشعبي​ العراقي في منطقة مكيشيفة ب​محافظة صلاح الدين​، مسبوقا بهجمات عنيفة شنّها التنظيم ايضا في منطقة "مثلّت الموت" التي تقع بين ​كركوك​، صلاح الدين و​ديالى​، ايّ مجال للشّك بإعادة ترميم "عظام" التنظيم ومدّه بأسلحة حديثة ظهر استخدامها جليّا في ايدي مقاتليه، في وقت تعيد واشنطن بالتزامن تجميع خلاياه في ارياف ​الحسكة​ و​دير الزور​ و​الرقة​ و​ريف حمص​ الشرقي، وسط تعبئة اميركية غير مسبوقة على الضفّة المقابلة لمناطق انتشار ​الجيش السوري​ وحلفائه غرب ​الفرات​، واستمرار نقل قادة واعداد من داعش من سجون قسد من الأراضي السوريّة نحو العراقيّة.

وفي حين امتصّ مقاتلو الحشد الشعبي العراقي الهجمات "الداعشية" وبادروا سريعا الى اطلاق عمليّة "اسود الصّحراء" لملاحقة خلايا التنظيم في ​صحراء​ ​الأنبار​، وحيث توّجوا عمليّتهم بتسديد ضربة قاسية للقوات الأميركية، عبر تصفية ثلاثة قياديين حدّدت تلك ​القوات​ اسماءهم من اصل مجموعة الثمانية التي نقلتها من سجن غويران بالحسكة الى قاعدة ​عين الأسد​، ليتبيّن انّ تلك المجموعة أُنيطت بمهمة قيادة الهجمات على نقاط الحشد الشعبي – وفق ما اكدت معلومات امنية عراقية، والتي افادت ايضا انّ مقاتلي الحشد اطبقوا على باقي رؤوس المجموعة بعملية امنية نوعية..

لم تستبعد المعلومات دخول واشنطن او ​تل ابيب​ على خطّ استهداف مواقع الحشد بشكل مباشر بعدما فاجأ مقاتلوه ​القوات الأميركية​ بثبات ادائهم الميداني وضرباتهم النوعيّة ضدّ هجمات "داعش"، مشيرة الى "رزمة" اجراءات اتخذتها قيادة الحشد الشعبي قد تفاجئ الكثيرين، سيّما على الحدود مع سورية.

لم يكن مستغربا ان يتزامن "زخم" الحراك الأميركي –"الداعشي" المستجدّ مع "ال​إسرائيل​ي" في توقيت واحد..حيث ازدادت الهجمات الجويّة "الإسرائيليّة" بشكل غير مسبوق على الأراضي السوريّة، لتبلغ –بالهجوم الأخير على ​ريف حلب​ خمسة في غضون اسبوعين فقط، وسط توقّع خبراء ​عسكري​ين ازدياد وتيرة تلك الهجمات بالمدى المنظور، ربطا بحبل الأزمات الداخلية الذي يلفّ عنق بنيامين نتينياهو، خصوصا انّ محاكمته التي اُرجئت بسبب انتشار جائحة ​كورونا​ في الكيان "الإسرائيلي"، قد تمّ تحديدها في اواخر الشهر الجاري.

وبما انّ ​نتنياهو​ لن يجد بدّا من تصدير ازماته الى الخارج للإفلات من سيف المحاكمة، برزت تحذيرات " عالية الجدّية" نُقلت عن امنون ابراموفيتش- وهو من ابرز الصحافيين في الإعلام العبري، والذي كشف استنادا الى ما اسماها "​تقارير​ موثّقة"، من انّ زيادة الهجمات "الإسرائيليّة" على ​الأراضي السورية​ لن تنجو من "كمائن" محتّمة خطيرة."الأمر لا يتعلّق بعجز الأسد وحلفائه عن الردّ على تلك الهجمات بإسقاط ايّ من المقاتلات المغيرة.. لأنّ دمشق حصلت في سنوات الحرب على منظومات صاروخيّة متطورة من ​روسيا​ وايران لم تكن لتحلم بها قبل عام 2011، الأمر يتعلّق بتوقيت حدّدته دمشق وحلفاؤها، فعدا انهم منهمكون بالتحضير لاستعادة جبهتّي ادلب وشرق الفرات ليتفرّغوا بعدها لإسرائيل، فهم لن يرموا حبل نجاة لنتنياهو لإعطائه ما يريد بتوقيته هو.. واذا كانت "​اسرائيل​" تعترف بقدرات اعدائها في غزّة و​لبنان​، عليها ان تتوقّع ان تكون التجهيزات في سورية اضعافها"!

يبدو واضحا انّ التجهيزات السوريّة التي تحدّث عنها ابراموفيتش حيال "اسرائيل"، لا تُسقط من حساباتها الإحتلال الأميركي لشرق الفرات، وإطباقه على حقول ​النفط والغاز​ في تلك المنطقة.. فرغم كلّ الإجراءات والإستعدادات العسكرية الأميركية هناك ايذانا باحتلال طويل الأمد، الا انّ دمشق عازمة على دحر الإحتلال الأميركي وسدّدت حتى الآن اكثر من ضربة استخباريّة في مرمى واشنطن.

لعلّ سابقة انشقاق مجموعة كاملة من ميليشيا "مغاوير ​الثورة​" التابعة للإحتلال الأميركي الشهر الماضي، وتضمّ 28 مسلّحا تركوا نقاط حراستهم في قاعدة التنف الأميركية، للإنضمام الى الجيش السوري، مثّلت مفاجأة مدوّية للقوات الأميركية، وخرقا كبيرا في اجهزة استخباراتها..لتأتي الضربة الثانية على متن هجوم استهدف آليّة اميركية لتكون الثالثة من نوعها خلال شهر واحد ضدّ الإحتلال الأميركي في ريف دير الزور، بعد مقتل الجنرال الأميركي "دونالد" المسؤول عن الإنزال الجوّي في حقل الجفرة، وهجوم آخر استهدف رتلا اميركيا في قرية رويشد.

الا انّ خطورة العمليّة الأخيرة، تكمن بأسر جنديَّين اميركيين كانا يستقلّان الآليّة التي تعرّضت للهجوم اثناء تنقّلها بين حقلّي العمر والتنك بريف دير الزور.. التعزيزات الأميركية التي وصلت الى مكان الهجوم لفقّد الآليّة المستهدفة، لم تلحظ سوى تدميرها بالكامل، دون العثور على الجنديّين ميخائيل وبراندون-الرقيب بالبحريّة الأميركية.. وكالعادة، احاطت القوات الأميركية عمليّة اسرهما بتكتّم اعلامي مطبق!

تأتي تلك العمليّة النوعية في وقت تطالب واشنطن دمشق بالإفراج عن اوستن تايس -قائد سابق بالبحرية، الذي سُجن في سورية في شهر اب عام 2012 ، بتهمة علاقاته مع تنظيمات ارهابية.. تايس هذا ليس الوحيد الذي أُطبق عليه في سورية خلال سنوات الحرب التي شُنّت عليها.. تقارير اميركية عدّة تحدّثت عن العشرات من الأسرى الأميركيين في سورية بعد التأكد من علاقاتهم الوثيقة ب​الجماعات الإرهابية​، اضافة الى كثر آخرين من جنسيّات غربيّة وخليجية.. وسبق للخارجيّة الأميركية ان أعلنت انها تتواصل مع مسؤولين تشيكيّين للحصول على معلومات عن اوستن تايس .. بالإضافة الى اميركيين آخرين مُعتقلين في سورية".. كم يبلغ عددهم يا ترى؟

لا يُغفل جون ماكلولين- نائب مدير ​وكالة الإستخبارات الأميركية​ السابق، الإقرار بأوراق القوة التي يمتلكها ​الرئيس السوري​ ​بشار الأسد​، وعزمه استعادة المناطق التي يحتلها الاميركيون والأتراك مهما كلّف الأمر.. ليبدأ التفرّغ للإستفزازات "الإسرائيلية" المتواصلة على بلاده..

وإذ المح –استنادا الى ما اسماها "معلومات استخباريّة موثوقة"، عن انّ العمليّات ضدّ القواعد والقوات الأميركية في الشرق السوري ستنحو صوب الخطورة القصوى وستُرفق بانشقاقات خطيرة ستظهر الى العلن في صفوف قادة ومسلّحي ميليشيا "قسد".. رجّح ماكلولين ان يخرق المرحلة المقبلة حدث عسكري غير متوقع على الحدود السوريّة-العراقيّة، يشكّل مفاجأة مدوية لدى واشنطن-كما تل ابيب.. وفق اشارته.